فضحك الرشيد ووصله بمال عظيم، ومات إبراهيم في هذه السنة وهو ابن خمس وسبعين سنة. قال: وكان ابراهيم بن سعد يبالغ فيه إلى هذا الحدّ. وقد أجمعت الأئمة على ثقته وعدالته والرواية عنه. واتّفق البخارىّ ومسلم على إخراج حديثه فى الصحيح. ولم تسقط عدالته بفعله عند أهل العلم، بل قلّد قضاء بغداد على جلالتها، وقلّد أبوه القضاء بالمدينة على شرفها.
وروى أبو الفرج الأصفهانى بسند رفعه إلى إسحاق بن إبراهيم الموصلى قال:
شهدت إبراهيم بن سعد يحلف للرشيد وقد سأله عمن بالمدينة ينكر الغناء، فقال:
من قنّعه الله خزيه: مالك بن أنس؛ ثم حلف أنه سمع مالكا يغنّى:
سليمى أزمعت بينا ... فأين لقاؤها أينا
فى عرس لرجل من أهل المدينة يكنى أبا حنظلة.
وروى أيضا بسنده إلى الحسين بن دحمان الأشقر قال:
كنت بالمدينة، فخلا لى الطريق في نصف النهار، فجعلت أتغنّى:
ما بال أهلك يا رباب ... خزرا كأنهم غضاب
قال: فإذا خوخة قد فتحت وإذا وجه قد بدا تتبعه لحية حمراء، فقال:
يا فاسق! أسأت التأدية، ومنعت القائلة، وأذعت الفاحشة؛ ثم اندفع يغنّيه؛ فظننت أنّ طويسا قد نشر يغنّيه، فقلت: أصلحك الله! من أين لك هذا الغناء؟
قال: نشأت وأنا غلام أتبع المغنّين وآخذ عنهم؛ فقالت لى أمّى: يا بنىّ، إن المغنّى إذا كان قبيح الوجه لم يلتفت إلى غنائه، فدع الغناء واطلب الفقه فإنه لا يضرّ معه قبح الوجه. فتركت المغنّين واتبعت الفقهاء، فبلغ الله بى ما ترى.
فقلت: فأعد جعلت فداءك. فقال: لا ولا كرامة! أتريد أن تقول أخذته عن مالك بن أنس! وإذا هو مالك ولم أعلم.