ما رواه أبو الفرج الأصفهانى بسنده عن علىّ بن جبلة قال: زرت أبا دلف بالجبل، فكان يظهر من برّى وإكرامى والتحفّى بى أمرا عظيما مفرطا حتى تأخرت عنه حياء، فبعث إلىّ معقلا وقال: يقول لك الأمير: قد انقطعت عنّى، وأظنّك قد استقللت برّى، فلا يغضبنك ذلك فإنى سأزيد فيه حتى ترضى. فقلت: والله ما قطعنى إلا الإفراط في البرّ، وكتبت إليه:
هجرتك لم أهجرك من كفر نعمة ... وهل يرتجى نيل الزيادة بالكفر
ولكننى لمّا أتيتك زائرا ... فأفرطت في برّى عجزت عن الشكر
فم الآن لا آتيك إلّا مسلّما ... أزورك في الشهرين يوما وفي الشهر
فإن زدتنى برّا تزايدت جفوة ... ولم تلقنى طول الحياة إلى الحشر
فلما قرأها معقل استحسنها وقال: أحسنت والله! أمّا إن الأمير يعجبه هذا من المعانى. فلما أوصلها إلى أبى دلف قال: قاتله الله! ما أشعره وأرقّ معانيه! وأجابنى لوقته- وكان حسن البديهة حاضر الجواب-:
ألا ربّ طيف طارق قد بسطته ... وآنسته قبل الضّيافة بالبشر
أتانى يرجّينى فما حال دونه ... ودون القرى والعرف من نائلى سترى
وجدت له فضلا علىّ بقصده ... إلىّ وبرّا زاد فيه على برّى
فزوّدته ما لا يدوم بقاؤه ... وزوّدنى مدحا يدوم على الدهر
قال: وبعث بالأبيات وصيفا وبعث إلىّ معه بألف دينار. فقلت حينئذ:
إنما الدنيا أبو دلف
الأبيات.
وروى أبو الفرج عن أحمد بن عبيد الله بن عمّار قال: كنا عند أبى العبّاس المبرّد يوما وعنده فتى من ولد أبى البخترىّ وهب بن وهب، أمرد حسن الوجه،