وفتى من ولد أبى دلف البجلىّ شبيه به في الجمال. فقال المبرّد لابن أبى البخترىّ:
أعرف لجدّك قصّة ظريفة من الكرم حسنة لم يسق إليها. قال: وما هى؟ قال:
دعى رجل من أهل الأدب إلى بعض المواضع فسقوه نبيذا غير الذى يشربون منه؛ فقال فيهم:
نبيذان في مجلس واحد ... لإيثار مثر على مقتر
فلو كان فعلك ذا في الطعام ... لزمت قياسك في المسكر
ولو كنت تفعل فعل الكرام ... صنعت صنيع أبى البخترى
تتّبع إخوانه في البلاد ... فأغنى المقلّ عن المكثر
فبلغت الأبيات أبا البخترىّ فبعث إليه ثلاثمائة دينار. قال ابن عمار: فقلت وقد فعل جدّ هذا الفتى في هذا المعنى ما هو أحسن من هذا. قال: وما فعل؟
قلت: بلغه أنّ رجلا افتقر من ثروة، فقالت له امرأته، افترض في الجند، فقال:
إليك عنّى فقد كلّفتنى شططا ... حمل السلاح وقول الدّارعين قف
تمشى المنايا إلى قوم فأكرهها ... فكيف أمشى إليها عارى الكتف
حسبت أنّ نفاد المال غيّرنى ... أو أنّ روحى في جنبى أبى دلف
فأحضره أبو دلف وقال: كم أمّلت امرأتك أن يكون رزقك؟ قال: مائة دينار، قال: كم أمّلت أن تعيش؟ قال: عشرين سنة. قال: فذلك لك على ما أمّلت وأمّلت امرأتك في مالنا دون مال السلطان، وأمر بإعطائه إياه. قال: فرأيت وجه ابن أبى دلف يتهلّل وانكسر ابن أبى البخترىّ. وهذه الأبيات رويت لابن أبى فنن.