للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أبو الفرج بسند رفعه:

إن معبدا كان قد علّم جارية من جوارى الحجاز الغناء تدعى «طيبة «١» » وعنى بتخريجها؛ فاشتراها رجل من أهل العراق وأخرجها إلى البصرة وباعها هناك، فاشتراها رجل من أهل الأهواز فأعجب بها وذهبت به كلّ مذهب وغلبت عليه، ثم ماتت بعد أن أقامت عنده برهة من الزمان؛ فأخذ جواريه أكثر غنائها عنها.

فكان لمحبّته إيّاها وأسفه عليها لا يزال يسأل عن أخبار معبد وأين مستقرّه، ويظهر التعصب له والميل إليه والتقديم لغنائه على سائر الأغانى من أهل عصره، إلى أن عرف ذلك منه وبلغ معبدا خبره. فخرج من مكة حتى أتى البصرة؛ فلما وردها صادف الرجل قد خرج عنها في ذلك الوقت واليوم إلى الأهواز. فجاء معبد في طلب سفينة تحمله إلى الأهواز، فلم يجد غير سفينة الرجل، فركب فيها وكلاهما لا يعرف الآخر؛ وانحدرت السفينة. فلما صاروا بفهم نهر الأبلّة «٢» ، أمر الرجل جواريه بالغناء فغنّين، إلى أن غنّت إحداهنّ صوتا من غناء معبد فلم تجد أداءه؛ فصاح بها معبد:

يا جارية، إن غناءك هذا ليس بمستقيم. فقال مولاها وقد غضب: وأنت ما يدريك الغناء ما هو! ألا تمسك «٣» وتلزم شأنك! فأمسك. ثم غنّت أصواتا من غناء غيره وهو ساكت لا يتكلّم حتى غنّت من غنائه فأخلّت ببعضه؛ فقال لها معبد: يا جارية، قد أخللت بهذا الصوت إخلالا كثيرا. فغضب الرجل وقال له:

ويلك! ما أنت والغناء! ألا تكفّ عن هذا الفضول! فأمسك معبد. وغنّى الجوارى