للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مليّا؛ ثم غنّت إحداهنّ صوتا من غنائه فلم تصنع فيه شيئا. فقال لها معبد:

يا هذه، أما تقومين «١» على أداء صوت واحد! فغضب الرجل وقال له: ما أراك تدع هذا الفضول بوجه ولا حيلة! فأقسم بالله إن عاودت لأخرجنّك من السفينة.

فأمسك معبد، حتى سكتت الجوارى سكتة، فاندفع يغنّى الصوت الأوّل حتى فرغ منه. فصاح الجوارى: أحسنت والله يا رجل، فأعده. قال: لا والله ولا كرامة.

ثم اندفع يغنّى الثانى؛ فقلن لسيّدهن: ويحك! هذا والله أحسن الناس غناء، فسله أن يعيده علينا ولو مرّة واحدة لعلنا نأخذه منه، فإنه إن فاتنا لم نجد مثله أبدا.

قال: قد سمعتنّ سوء ردّه عليكنّ وأنا خائف مثله منه، وقد استقبلناه بالإساءة، فاصبرن حتى نداريه. قال: ثم غنّى الثالث فزلزل عليهم الأرض. فوثب الرجل فقبّل رأسه، وقال: يا سيّدى أخطأنا عليك ولم نعرف موضعك. فقال له: وهبك لم تعرف موضعى، قد كان ينبغى لك أن تتثبّت ولا تسرع إلى سوء العشرة وجفاء القول.

فلم يزل يرفق به حتى نزل إليه، وكان معبد قد أجلس في مؤخّر السفينة. فقال له الرجل: ممن أخذت هذا الغناء؟ قال: من بعض أهل الحجاز، فمن أين أخذه جواريك؟ قال: أخذنه من جارية كانت لى، كانت قد أخذت الغناء عن أبى عبّاد معبد وكانت تحلّ منى مكان الروح من الجسد، ثم استأثر الله بها وبقى هؤلاء الجوارى وهنّ [من «٢» ] تعليمها، فأنا إلى الآن أتعصّب لمعبد وأفضّله على المغنّين جميعا، وأفضّل صنعته على كل صنعة. فقال له معبد: وإنك لأنت هو! أفتعرفنى؟ قال لا.

قال: فصكّ معبد بيده صلعته ثم قال: فأنا «٣» والله معبد وإليك قدمت من الحجاز ووافيت البصرة ساعة نزلت السفينة لأقصدك بالأهواز، وو الله لا قصّرت في جواريك