للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحبّ إلينا منك دلّا وما نرى ... به عند ليلى من ثواب ولا أجر

قالت: فكذّبناه وقلنا: شىء فكّر فيه وأخرجه على هذا الجنس. فكان في كل يوم يأتينا فيقول: سمعت البارحة صوتا من الجنّ بترجيع وتقطيع، فقد بنيت عليه صوت كذا وكذا بشعر فلان، فلم يزل على ذلك ونحن ننكر عليه. فإنا لكذلك ليلة وقد اجتمع جماعة من نساء أهل مكة في جمع لنا سمرنا فيه ليلتنا والغريض يغنّينا بشعر عمر بن أبى ربيعة حيث يقول:

أمن آل زينب جدّ البكور ... نعم فلأىّ هواها تصير

إذ سمعنا في بعض الليل عزيفا عجيبا وأصواتا ذعرتنا وأفزعتنا. فقال لنا الغريض:

إن في هذه الأصوات صوتا إذا نمت سمعته وأصبح أبنى عليه غنائى؛ فأصغينا إليه فإذا نغمته نغمة الغريض بعينها، فصدّقناه تلك الليلة.

وكانت وفاة الغريض باليمن في خلافة سليمان بن عبد الملك أو عمر بن عبد العزيز، وكان قد هرب من نافع بن علقمة لمّا ولى مكة من مكة إلى اليمن واستوطنها ومات بها.

وللغريض أخبار مستظرفة وحكايات مستحسنة قد رأينا أن نثبت في هذا الموضع ما سنقف عليه إن شاء الله تعالى.

فمن ذلك ما حكاه أبو الفرج الأصبهانىّ في كتابه المترجم بالأغانى في أخبار الحارث بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومىّ، بعد أن ساق قطعة من أخباره مع عائشة بنت طلحة بن عبيد الله، وأنه كان يهواها ويشبّب بها في شعره، ثم قال في أثناء ذلك: لمّا قدمت عائشة بنت طلحة مكة أرسل إليها الحارث وهو أمير مكة يومئذ، وكان وليها من قبل عبد الملك بن مروان، فأرسل إليها:

إنى أريد السلام عليك؛ فإذا خفّ ذلك عليك أذنت، وكان الرسول الغريض.