للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأرسلت إليه: إنّا حرم، فإذا أحللنا أذنّاك. فلما أحلّت خرجت سرّا على بغلتها، ولحقها الغريض بعسفان أو قريب منه ومعه كتاب الحارث إليها، وفيه:

ما ضرّكم لو قلتم سددا ... إنّ المطايا عاجل غدها

ولها علينا نعمة سلفت ... لسنا على الأيام نجحدها

لو أتممت أسباب نعمتها ... تمّت بذلك عندنا يدها

فلما قرأت الكتاب قالت: ما يدع الحارث باطله!. ثم قالت للغريض: هل أحدثت شيئا؟ قال: نعم فاسمعى، ثم اندفع يغنّى في هذا الشعر. فقالت عائشة: والله ما قلنا «١» إلا سددا ولا أردنا إلا أن نشترى لسانه؛ واستحسنت الشعر، وأمرت للغريض بخمسة آلاف درهم وأثواب، [وقالت «٢» ] : زدنى. فغنّى في قول الحارث أيضا حيث يقول:

زعموا بأنّ البين بعد غد ... فالقلب ممّا أحدثوا يجف

والعين منذ أجدّ بينهم ... مثل الجمان دموعها تكف

نشكو وتشكو ما أشتّ بنا ... كلّ بوشك البين معترف

ومقالها ودموعها سجم ... أقلل حنينك حين تنصرف

فقالت عائشة: يا غريض، بحقّى عليك أهو أمرك أن تغنّينى في هذا الشعر؟

قال: لا وحياتك يا سيّدتى؛ فأمرت له بخمسة آلاف درهم، ثم قالت: غنّنى فى [غير «٣» ] شعره؛ فغنّاها بشعر عمر بن أبى ربيعة- وكان عمر قد سأله ذلك- فقال:

أجمعت خلّتى مع الهجر بينا ... جلّل الله ذلك الوجه زينا

أجمعت بينها ولم نك منها ... لذّة العيش والشباب قضينا