فقالت وهى مبتسمة: نعم وقد وجب حقّك يا غريض، فغنّنى؛ فغنّيتها:
يا دهر قد أكثرت فجعتنا «١» ... بسراتنا ووقرت «٢» فى العظم
وسلبتنا ما لست «٣» مخلفه ... يا دهر ما أنصفت في الحكم
لو كان لى قرن أناضله ... ما طاش عند حفيظة سهمى
لو كان يعطى النّصف «٤» قلت له ... أحرزت قسمك فاله عن قسمى
فقالت: نعطيك النّصف فلا يضيع سهمك عندنا ونجزل لك قسمك، وأمرت له بخمسة آلاف درهم وثياب عدنيّة وغير ذلك من الألطاف. قال الغريض: فأتيت الحارث بن خالد فأخبرته الخبر وقصصت عليه القصة؛ فأمر لى بمثل ما أمرتا لى جميعا؛ وأتيت ابن أبى ربيعة فأعلمته بما جرى، فأمر لى بمثل ذلك. فما انصرف أحد من ذلك الموسم بمثل ما انصرفت به: نظرة من عائشة، ونظرة من عاتكة- وهما أجمل نساء عالمهما- وبما أمرتا لى به، والمنزلة عند الحارث- وهو أمير مكة- وابن أبى ربيعة وما أجازانى به جميعا من المال.
ولنصل هذا الفصل بشىء من أخبار عائشة بنت طلحة؛ لأن الشىء بالشىء يذكر.
هى عائشة بنت طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم. وأمّها أمّ كلثوم بنت أبى بكر الصّديق رضى الله عنه. وكانت عائشة لا تستر وجهها من أحد. فعاتبها مصعب في ذلك فقالت: إن الله تبارك وتعالى وسمنى بميسم جمال أحببت أن يراه الناس ويعرفوا فضلى عليهم فما كنت لأستره، وو الله ما في وصمة يقدر أن يذكرنى بها أحد.