وأمر له بمال وأمره أن يغنّى فغنّى؛ فسمع شيئا لم يسمع مثله، فآحتبسه عنده شهرا يستر يده، وكلّ يوم يستأذن له في الانصراف فلا يأذن له حتى تمّم شهرا، وانصرف بأموال جسيمة.
وقال عثمان بن موسى: كنّا على شراب يوما ومعنا عمرو بن أبى الكنّات إذ قال لنا قبل طلوع الشمس: من تحبّون أن يجيئكم؟ قلنا: منصور الحجبىّ. فقال:
أمهلوا حتى يكون الوقت الذى ينحدر فيه إلى سوق البقر. فمكثنا ساعة ثم اندفع يغنّى:
أحسن الناس فاعلموه غناء ... رجل من بنى أبى الكنّات
عفت الدّار فالهضاب اللّواتى ... بين «١» ثور فملتقى عرفات
فلم نلبث أن رأينا منصورا من بعد قد أقبل يركض دابّته نحونا. فلما جلس إلينا قلت له: من أين علمت بنا؟ قال: سمعت صوت عمرو وأنا في سوق البقر، فخرجت أركض دابّتى حتى صرت إليكم. قال: وبيننا وبين ذلك الموضع ثلاثة أميال.
وقال يحيى بن يعلى بن سعيد: بينا أنا ليلة في منزلى في الرّمضة بأسفل مكة، إذ سمعت صوت عمرو بن أبى الكنّات كأنّه معى، فأمرت الغلام فأسرج لى دابّتى وخرجت أريده، فلم أزل أتبع الصوت حتى وجدته جالسا على الكثيب العارض ببطن عرفة يغنّى:
خذى العفو منى تستديمى مودّتى ... ولا تنطقى في سورتى حين أغضب