للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال موسى بن أبى المهاجر: خرج ابن جامع وابن أبى الكنّات حين دفع الإمام «١» من عرفة، حتى إذا كانوا بين المأزمين جلس عمرو على طرف الجبل ثم اندفع يغنّى، فركب الناس بعضهم بعضا حتى صاحوا به واستغاثوا: يا هذا، الله الله! اسكت عنا يجز الناس؛ فضبط ابن جامع بيده على فيه حتى مضى الناس إلى مزدلفة.

قال علىّ بن الجهم: حدّثنى من أثق به قال: واقفت ابن أبى الكنّات على جسر بغداد أيام الرشيد فحدّثته بحديث اتّصل بى عن ابن عائشة أنه وقف في الموسم فى أيام هشام، فمرّ به بعض أصحابه فقال: ما تصنع؟ فقال: إنى لأعرف رجلا لو تكلم لحبس الناس فلم يذهب منهم أحد ولم يجئ. فقلت له «٢» : من هذا الرجل؟ قال:

أنا، ثم اندفع فغنّى فحبس الناس، فاضطربت المحامل ومدّت الإبل أعناقها. فقال ابن أبى الكنّات وكان معجبا بنفسه: أنا أفعل كما فعل وقدرتى على القلوب أكثر من قدرته. ثم اندفع فغنّى الصوت الذى غنّى فيه ابن عائشة، وهو:

جرت سنحا فقلت لها أجيزى ... نوى مشمولة فمتى اللّقاء

بنفسى من تذكرّه سقام ... أعالجه ومطلبه عناء

قال: فغنّاه، وكنا إذ ذاك على جسر بغداد، وكان على دجلة ثلاثة جسور، فانقطعت الطّرق وامتلأت الجسور بالناس فآزدحموا عليها واضطربت حتى خيف عليها أن تنقطع لثقل من عليها من الناس. فأخذ فأتى به الرشيد؛ فقال له: يا عدوّ الله، أردت أن تفتن الناس! قال: لا والله يا أمير المؤمنين ولكنّه بلغنى أن ابن عائشة فعل مثل هذا في أيام هشام، فأحببت أن يكون في أيامك مثله. فأعجبه ذلك،