للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يبكى ويقول: أنا مولى هذا الصوت. فقلت له: كيف يا أبت؟ فقال: غنّيته مولاى الرشيد، فبكى وشرب عليه رطلا ثم قال: أحسنت يا مخارق! فسلنى حاجتك؛ فقلت: تعتقنى يا أمير المؤمنين أعتقك الله من النار؛ فقال: أنت حرّ لوجه الله تعالى، فأعد الصوت فأعدته؛ فبكى وشرب رطلا، ثم قال: أحسنت يا مخارق! فسلنى حاجتك؛ فقلت: ضيعة تقيمنى غلّتها «١» ؛ فقال: قد أمرت لك بها، أعد الصوت فأعدته؛ فبكى وقال: سل حاجتك؛ فقلت: يا أمير المؤمنين، تأمر لى بمنزل وفرس وخادم؛ فقال: ذلك لك، أعد الصوت فأعدته؛ فبكى وقال:

سل حاجتك؛ فقبّلت الأرض بين يديه وقلت: حاجتى أن يطيل الله بقاءك ويديم عزّك ويجعلنى من كل سوء فداءك؛ فأنا مولى هذا الصوت بعد مولاى.

ويروى أيضا عن الحسين بن الضحّاك عن مخارق أنّ الرشيد قال يوما للمغنّين وهو مصطبح: من منكم يغنّى:

يا ربع سلمى لقد هيّجت لى طربا

فقمت وقلت: أنا يا أمير المؤمنين. فقال: هاته؛ فغنّيته فطرب وشرب ثم قال:

علىّ بهرثمة؛ فقلت في نفسى: ماذا يريد منه! فجاء هرثمة فقال له: مخارق الشّارىّ الذى قتلناه بنواحى الموصل ما كانت كنيته؟ فقال: أبو المهنّأ؛ فقال: انصرف فانصرف؛ ثم أقبل الرشيد علىّ فقال: قد كنّيتك أبا المهنّأ لإحسانك؛ وأمر لى بمائة ألف درهم؛ فانصرفت بها وبالكنية.

قال أبو عبد الله بن حمدون: كنّا عند الواثق وأمّه عليلة. فلما صلّى المغرب دخل إليها وأمر ألا نبرح، فجلسنا في صحن الدار، وكانت ليلة مقمرة وأبطأ الواثق علينا؛ فاندفع مخارق يغنّى، فاجتمع علينا الغلمان، وخرج الواثق فصاح: يا غلام، فلم يجبه