للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هوت هرقلة لمّا أن رأت عجبا ... جواثما «١» ترتمى بالنّفط والنّار

فطرب الرشيد واستعاده مرارا؛ وهو شعر مدح به الرشيد في فتح هرقلة. فأقبل الرشيد على ابن جامع دون غيره. فغمز مخارق إبراهيم بعينه وتقدّمه إلى الخلاء، فلما جاء قال له: مالى أراك منكسرا؟ فقال له: أما ترى إقبال أمير المؤمنين على ابن جامع بسبب هذا الصوت! فقال مخارق: قد والله أخذته. فقال: ويحك! إنه الرشيد، وابن جامع من تعلم، ولا يمكن معارضته إلا بما يزيد على غنائه وإلا فهو الموت! فقال: دعنى وخلاك ذمّ، وعرّفه أنّى أغنّى به، فإن أحسنت فإليك ينسب، وإن أسأت فإلىّ يعود. فقال إبراهيم للرشيد: يا أمير المؤمنين، أراك متعجّبا من هذا الصوت بغير ما يستحقّه وأكثر مما يستوجبه! فقال: لقد أحسن فيه ابن جامع ما شاء. قال: أو لابن جامع هو؟ قال: نعم، كذا ذكر. وقال: فإنّ عبدك مخارقا يغنيه. فنظر إلى مخارق؛ فقال: نعم يا أمير المؤمنين. قال: هاته؛ فغنّاه وتحفّظ فيه فأتى بالعجائب، وطرب الرشيد حتى كاد يطير؛ ثم أقبل على ابن جامع فقال:

ويلك! ما هذا؟ فابتدأ يحلف بالطلاق وكلّ محرجة أنه لم يسمع ذلك الصوت قطّ من غيره وأنه صنعه وأنها حيلة جرت عليه. فأقبل على إبراهيم وقال: اصدقنى بحياتى؛ فصدقه عن قصّة مخارق. فقال لمخارق: اجلس إذا مع أصحابك، فقد تجاوزت مرتبة من يقوم. وأعتقه ووصله بثلاثة آلاف دينار وأقطعه ضيعة ومنزلا.

وقد روى أبو الفرج الأصفهانىّ عن هارون بن مخارق، قال: كان أبى إذا غنّى هذا الصوت:

يا ربع سلمى لقد هيّجت لى طربا ... زدت الفؤاد على علّاته وصبا

ربع تبدّل ممن كان يسكنه ... عفر الظباء وظلمانا به عصبا