قد علم أمير المؤمنين ما أوجب الله علىّ من حقّ مولاتى، وأريد أن أذكر هذا لها.
قال: فافعلى. قال: فأعلمت أبا العتاهية. ومضت أيام فسألنى معاودة المهدىّ؛ فقلت: قد عرفت الطريق، فقل ما شئت حتى أغنّيه به؛ فقال:
أشربت قلبى من رجائك ما له ... عنق يخبّ إليك بى ورسيم
وأملت نحو سماء جودك ناظرى ... أرعى مخايل برقها «١» وأشيم
ولقد تنسّمت الرّياح لحاجتى ... فإذا لها من راحتيك نسيم
ولربما استيأست ثم أقول لا ... إن الذى وعد النّجاح كريم
قال يزيد: فغنّيته الشعر، فقال: علىّ بعتبة فجاءت؛ فقال: ما صنعت؟ فقالت:
ذكرت ذلك لمولاتى فكرهته وأبت أن تفعل، فليفعل أمير المؤمنين ما يريد. قال:
ما كنت لأفعل شيئا تكرهه. فأعلمت أبا العتاهية بذلك، فقال:
قطّعت منك حبائل الآمال ... وأرحت من حلّ ومن ترحال
ما كان أشأم إذ رجاؤك قاتلى ... وبنات وعدك يعتلجن ببالى
ولئن طمعت لربّ برقة خلّب ... مالت بذى طمع ولمعة آل
وقد حكى أبو الفرج أيضا هذه الحكاية واختصرها، ولم يذكر الأبيات التى منها
أشربت قلبى من رجائك ماله
إلا أنّه غيّر قوله: «أشربت قلبى» بقوله: «أعلمت نفسى من رجائك» . وقال:
فصنع فيه يزيد لحنا وغنّاه المهدىّ. فدعا بأبى العتاهية وقال له: أما عتبة فلا سبيل إليها، لأن مولاتها قد منعت منها، ولكن هذه خمسون ألف درهم فاشتر ببعضها خيرا من عتبة فحملت إليه، فأخذها وانصرف.