لإبراهيم بن المهدىّ: لا تمار إسحاق بعدها، فإن رجلا عرف الخطأ بين ثمانين وترا وعشرين حلقا لجدير ألّا تماريه؛ قال: صدقت.
وقال ابن حمدون: سمعت الواثق يقول: ما غنّانى إسحاق قطّ إلا ظننت أنه قد زيد فى ملكى، ولا سمعته قط يغنّى غناء ابن سريح إلا ظننت أنّ ابن سريح قد نشر، وإنى ليحضرنى غيره إذا لم يكن حاضرا، فيتقدّمه عندى بطيب الصوت، حتى إذا اجتمعا عندى رأيت إسحاق يعلو ورأيت من ظننت أنه يتقدّمه ينقص.
وإن إسحاق لنعمة من نعم الملوك التى لم يحظ أحد بمثلها. ولو أن العمر والشباب والنشاط مما يشترى لاشتريتهنّ له بشطر ملكى.
وحكى عن أحمد بن المكّى عن أبيه قال: كان المغنّون يجتمعون مع إسحاق وكلهم أحسن صوتا منه ولم يكن فيه عيب إلا صوته فيطمعون فيه، ولا يزال بلطفه وحذقه ومعرفته حتى يغلبهم جميعا ويفضلهم ويتقدّم عليهم. قال: وهو أوّل من أحدث المجتثّ ليوافق صوته ويشاكله فجاء معه عجبا من العجب، وكان فى حلقه نبوّ عن الوتر.
وحكى قال: سأل إسحاق الموصلىّ المأمون أن يكون دخوله مع أهل العلم والأدب والرّواة لا مع المغنّين، فإذا أراد الغناء غنّاه، فأجابه إلى ذلك. ثم سأله بعد مدّة طويلة أن يأذن له فى الدخول مع الفقهاء فأذن له؛ قال: فكان يدخل ويده فى يد قاضى القضاة يحيى بن أكثم. ثم سأل إسحاق المأمون فى لبس السواد يوم الجمعة والصلاة معه فى المقصورة؛ قال: فضحك المأمون وقال: ولا كلّ هذا يا إسحاق! وقد اشتريت منك هذه المسئلة بمائة ألف دينار [١] وأمر له بها.