للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان لإسحاق مع إبراهيم بن المهدىّ مخاطبات ومنازعات ومحاورات بسبب الغناء، وكان الرشيد ينصر إسحاق على إبراهيم أخيه. من ذلك ما حكاه إسحاق قال:

كنت عند الرشيد يوما، وعنده ندماؤه وخاصّته وفيهم إبراهيم بن المهدىّ؛ فقال لى الرشيد: غنّ:

شربت مدامة وسقيت أخرى ... وراح المنتشون وما انتشيت

فغنيته. فأقبل علىّ إبراهيم بن المهدىّ فقال لى: ما أصبت يا إسحاق ولا أحسنت. فقلت له: ليس هذا مما تعرفه ولا تحسنه، وإن شئت فغنّه فإن لم أجدك أنك تخطئ فيه منذ ابتدائك إلى انتهائك فدمى حلال. ثم أقبلت على الرشيد فقلت: يا أمير المؤمنين، هذه صناعتى وصناعة أبى، وهى التى قرّبتنا منك واستخدمتنا لك فأوطاتنا بساطك، فإذا نازعنا أحد بغير علم لم نجد بدّا من الإفصاح والذبّ؛ فقال: لا غرو ولا لوم عليك. وقام الرشيد ليبول؛ فأقبل إبراهيم بن المهدىّ علىّ وقال: ويحك يا إسحاق! أتجترئ علىّ وتقول لى ما قلت يا ابن الفاعلة! لا يكنى.

فداخلنى ما لم أملك نفسى معه، فقلت له: أنت تشتمنى ولا أقدر على إجابتك وأنت ابن الخليفة وأخو الخليفة، ولولا ذلك لقلت لك: يا ابن الزانية كما قلت لى يا ابن الزانية. أو ترانى كنت لا أحسن أن أقول: يا ابن الزانية! ولكن قولى فى ذمّك ينصرف كله إلى خالك الأعلم [١] ، ولو لاك لذكرت صناعته ومذهبه- قال إسحاق:

وكان بيطارا- قال: ثم سكتّ، وعلمت أن إبراهيم سوف يشكونى إلى الرشيد، وسوف يسأل من حضر عما جرى فيخبرونه، فتلافيت ذلك بأن قلت: إنك تظن أن الخلافة [٢] تصير اليك، فلا تزال تتهدّدنى بذلك وتعادينى كما تعادى سائر أولياء أخيك حسدا


[١] الأعلم: الذى بشفته العليا أو فى جانبيها شق.
[٢] كذا فى الأغانى. وفى الأصل:
«أن الخلافة لك ... »