للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يأتيها فى مجلسها فيجلس عندها وتغنّيه. فأرادت أن تكفّر عن يمينها وتأتيه فتغنّيه فى بيته؛ فقال: لا أكلّفك ذلك.

وروى الأصفهانىّ أنّ ابن أبى عتيق وابن أبى ربيعة والأحوص بن محمد الأنصارىّ أتوا منزل جميلة واستأذنوا عليها فأذنت لهم. فلما جلسوا سألت عن عمر، فقال لها: إنى قصدتك من مكة للسلام عليك؛ فقالت: أهل الفضل أنت.

قال: وقد أحببت أن تفرّغى لنا نفسك اليوم وتخلى مجلسك؛ قالت: أفعل. فقال لها الأحوص: أحبّ ألّا تغنّى إلا بما نسألك؛ فقالت: ليس المجلس لك، القوم شركاؤك؛ فقال: أجل. قال عمر: فإنى أرى أن نجعل الخيار إليها. قال ابن أبى عتيق: وفّقك الله. فدعت بعود فغنّت:

تمشى الهوينى إذا مشت فضلا ... مشى النّزيف [١] المخمور فى الصّعد

تظلّ من بعد بيت جارتها ... واضعة كفّها على الكبد

يا من لقلب متيّم سدم ... عان رهين مكلّم كمد

أزجره وهو غير منزجر ... عنها بطرف مكحّل السّهد

قال راوى هذه الحكاية: فلقد سمعت للبيت زلزلة وللدار همهمة. فقال عمر:

لله درّك يا جميلة! ماذا أعطيت! أنت أوّل الغناء وآخره! ثم سكتت ساعة وأخذت العود فغنّت، فطرب القوم وصفّقوا بأيديهم وفحصوا بأرجلهم وحرّكوا رءوسهم، وقالوا: نحن فداؤك من المكروه، ما أحسن ما غنيّت وأجمل ما قلت!. وأحضر الغداء فتغدّى القوم بأنواع من الأطعمة ومن الفواكه، ثم دعت بأنواع الأشربة؛ فقال عمر: لا أشرب، وقال ابن أبى عتيق مثل ذلك؛ فقال الأحوص: لكنّى


[١] النزيف: السكران.