للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أشرب، وما جزاء جميلة أن يمتنع من شرابها! فقال عمر: ليس ذاك كما ظننت.

فقالت جميلة: من شاء أن يحملنى بنفسه ويخلط روحه بروحى فعل، ومن أبى ذلك عذرناه، ولم يمنعه ذلك عندنا ما يريد من قضاء حوائجه والأنس بمحادثته. قال ابن أبى عتيق: ما يحسن بنا إلا مساعدتك. فقال عمر: إنى لا أكون أخسّكم، افعلوا ما شئتم تجدونى سامعا مطيعا. فشرب القوم أجمع؛ فغنّت بشعر ابن أبى ربيعة:

ولقد قالت لجارات لها ... كالمها يلعبن فى حجرتها

خذن عنى الظلّ لا يتبعنى ... ومضت تسعى إلى قبّتها

لم تعلّق رجلا فيما مضى ... طفلة غيداء فى حلّتها

لم يطش قطّ لها سهم ومن ... ترمه لا ينج من رميتها

فصاح عمر ثم شقّ جيب قميصه إلى أسفله، ثم ثاب اليه عقله فندم واعتذر وقال: لم أملك من نفسى شيئا. وقال القوم: قد أصابنا الذى أصابك وأغمى علينا غير أننا قد فارقناك فى تخريق الثّياب. فدعت جميلة بثياب فجعلتها على عمر فقبلها ولبسها، وانصرف القوم إلى منازلهم. وكان عمر نازلا على ابن أبى عتيق، فوجّه إلى جميلة بعشرة آلاف درهم وعشرة أثواب كانت معه فقبلتها جميلة، وانصرف عمر إلى مكة جذلان مسرورا.

وروى أبو الفرج بأسانيد رفعها إلى يونس الكاتب والزبير بن بكّار عن عمه مصعب قالا: حجّت جميلة فخرج معها من الرجال المغنّين والنساء والأشراف وغيرهم جماعة ذكرهم أبو الفرج، منهم من المغنّين هنب وطويس والدّلال ومعبد ومالك بن أبى السّمح وابن عائشة ونافع الخير ونافع بن طنبورة وغير هؤلاء ممن ذكرهم؛ ومن النساء المغنّيات جماعة ذكرهنّ: منهن الفرهة وعزّة الميلاء وحبابة وسلّامة وخليدة وعقيلة والشّماسيّة وفرعة ونبيلة ولذّة العيش وسعيدة والزّرقاء؛ ومن غير المغنّين من