للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يدفع ذلك إلا ظالم ولا ينكره إلا عاضل للحق، والحقّ أقول، فمن شاء أن ينكر؛ فسكت القوم كلهم إقرارا بما قالت. فاندفع فغنّى:

عدوّ لمن عادت وسلم لسلمها ... ومن قرّبت سلمى أحبّ وقرّبا

هبينى امرأ إمّا بريئا ظلمته ... وإمّا مسيئا تاب بعد وأعتبا

أقول التماس العذر لمّا ظلمتنى ... وحمّلتنى ذنبا وما كنت مذنبا

ليهنك إشمات العدوّ بهجرنا ... وقطعك حبل الودّ حتى تقضّبا

فقالت جميلة: يا مالك، ليت صوتك قد دام لنا ودمنا له! وقطعت المجلس، وانصرف عامّة الناس وبقى خواصّهم. قال: ولما كان فى اليوم الثانى حضر القوم جميعا. فقالت لطويس: هات يا أبا عبد النّعيم، فغنّى:

قد طال ليلى وعادنى طربى ... من حبّ خود كريمة الحسب

غرّاء مثل الهلال آنسة ... أو مثل تمثال صورة الذّهب

صادت فؤادى بجيد مغزلة ... ترعى رياضا ملتفّة العشب

فقالت جميلة: حسن والله يا أبا عبد النعيم. ثم قالت للدّلال: هات يا أبا يزيد، فغنّى، فاستحسنت غناءه. ثم قالت لهنب: إنا نجلّك اليوم لكبر سنّك ورقّة عظمك؛ فقال: أجل. ثم قالت لبرد الفؤاد ونومة الضّحى: هاتيا جميعا لحنا واحدا، فغنيّا، فقالت: أحسنتما. ثم قالت لفند وزجة [١] وهبة الله: هاتوا جميعا صوتا واحدا، إنكم متفقون فى الأصوات؛ فاندفعوا فغنّوا. ثم غنّت جميلة بشعر الأعشى:

بانت سعاد وأمسى حبلها انقطعا ... واحتلّت الغور فالجدّين فالفرعا

واستنكرتنى وما كان الذى نكرت ... من الحوادث إلا الشّيب والصّلعا


[١] فى الأغانى: «رحمة» .