دينار. فبلغ ذلك سليمان فقال: لأحجرنّ عليه. فبلغ يزيد ذلك فاستقال مولى حبابة؛ ثم اشتراها بعد ذلك رجل من أهل إفريقية. فلما ولى يزيد اشترتها سعدة امرأته وعلمت أنه لا بدّ طالبها ومشتريها. فلما حصلت عندها قالت له: هل بقى عليك شىء من الدنيا لم تنله؟ قال: نعم، العالية. قالت: أو رأيتها؟ قال نعم. قالت:
أفتعرفها؟ قال نعم. فرفعت الستر فرآها، فقالت: هذه هى؟ قال نعم؛ قالت:
هى لك، وخرجت عنهما. فسمّاها حبابة وعظم قدر سعدة عنده. ويقال: إنها أخذت عليها قبل أن تهبها له أن توطّئ لابنها عنده فى ولاية العهد.
قال: وارتفع قدر حبابة عند يزيد وتمكّن حبّها فى قلبه تمكنا عظيما. وكان أوّل ذلك أنه أقبل يوما الى البيت الذى هى فيه فقام من وراء الستر فسمعها تترنّم وتغنّى:
كان لى يا يزيد حبّك حينا ... كاد يقضى علىّ لمّا التقينا
فرفع الستر فوجدها مضطجعة مقبلة على الجدار، فعلم أنها لم تعلم به ولم يكن ذلك لمكانه؛ فألقى نفسه عليها وحرّكت منه.
قال: وأراد يزيد بن عبد الملك أن يتشبّه بعمر بن عبد العزيز، وقال: بماذا صار عمر أرجى لربه منى!. وقيل: بل لامه مسلمة بن عبد الملك على الإلحاح على الغناء والشرب، وقال له: إنك وليت بعقب عمر بن عبد العزيز وعدله، وقد تشاغلت بهذه الإماء عن النظر فى الأمور، والوفود ببابك وأصحاب الظّلامات يصيحون وأنت غافل! قال: صدقت والله، وهمّ أن يترك الشرب، ولم يدخل على حبابة أياما، فشقّ ذلك عليها فأرسلت الى الأحوص أن يقول أبياتا فى ذلك، فقال:
ألا لا تلمه اليوم أن يتبلّدا ... فقد غلب المحزون أن يتجلّدا
بكيت الصّبا جهدى فمن شاء لامنى ... ومن شاء آسى فى البكاء وأسعدا