للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنّى وإن فنّدت فى طلب الصّبا ... لأعلم أنّى لست فى الحبّ أوحدا

إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى ... فكن حجرا من يابس الصّخر جلمدا

فما العيش إلا ما تلذّ وتشتهى ... وإن لام فيه ذو الشّنان وفنّدا

قال: فلما كان فى يوم الجمعة تعرّضت له حبابة عند خروجه الى الصلاة، فلقيته والعود فى يدها، فغنّت البيت الأوّل، فغطى وجهه وقال: مه لا تفعلى. ثم غنّت «وما العيش إلا ما تلذّ وتشتهى» فعدل إليها وقال: صدقت، قبّح الله من لامنى فيك! يا غلام، مر مسلمة فليصلّ بالناس. وأقام معها يشرب وهى تغنيّه وعاد الى حاله، وقال لها: من يقول هذا الشعر؟ قالت: الأحوص. فاستدعاه واستنشده الشعر فأنشده الأبيات. ثم أنشده قصيدته التى أوّلها:

يا موقد النّار بالعلياء من إضم ... أوقد فقد هجت شوقا غير منصرم

وهى قصيدة طويلة، فقال له يزيد: ارفع حوائجك؛ فكتب إليه فى نحو أربعين ألف درهم من دين وغيره فأمر له بها. وقد قيل فى أمر هذه الأبيات:

إن حبابة لمّا بعثت الى الأحوص فى عمل الشعر قالت له: إن رددت أمير المؤمنين عن رأيه فلك ألف دينار، فدخل الأحوص عليه واستأذنه فى الإنشاد؛ فقال:

ليس هذا وقتك. فلم يزل به حتى أذن له فأنشده الأبيات. فلما سمعها وثب حتى دخل على حبابة وهو يتمثّل:

وما العيش إلا ما تلذّ وتشتهى ... وإن لام فيه ذو الشّنان وفنّدا

قالت: ما ذاك [١] يا أمير المؤمنين؟ فقال: أبيات أنشدنيها الأحوص، فسلي ما شئت. قالت: ألف دينار تعطيها الأحوص؛ فأعطاه ألف دينار.


[١] فى الأغانى: «فقالت ما ردّك يا أمير المؤمنين» .