فإن تسل عنك النفس أو تدع الهوى ... فباليأس تسلو عنك لا بالتّجلّد
وكلّ خليل راءنى فهو قائل ... من اجلك هذا هامة اليوم أو غد
فما بقى إلا خمس عشرة ليلة ومات، فدفن الى جنبها.
وروى أيضا عن مسلمة بن عبد الملك قال: لمّا ماتت حبابة جزع عليها يزيد، فجعلت أسكّنه وأعزّيه وهو ضارب بذقنه على صدره ما يكلّمنى حتى دفنها. فلمّا بلغ إلى بابه التفت إلىّ وقال: فإن تسل عنك النفس ... البيت، ثم دخل بيته فمكث أربعين يوما ثم هلك.
قال: وروى المدائنىّ أنه اشتاق إليها بعد ثلاثة أيام من دفنه إيّاها؛ فقال:
لا بدّ أن تنبش حتى أنظر إليها، فنبشت وكشف له عن وجهها وقد تغيّرت تغيّرا قبيحا، فقيل له: يا أمير المؤمنين، اتّق الله تعالى! ألا تراها كيف صارت! فقال: ما رأيت قطّ أحسن منها اليوم، أخرجوها. فجاء مسلمة ووجوه أهله [١] ، فلم يزالوا به حتى أزالوه عن ذلك ودفنوها؛ وانصرف، وكمد كمدا شديدا حتى مات، فدفن إلى جانبها.
وروى عن عبد الله بن عروة بن الزّبير قال: خرجت مع أبى إلى الشأم زمن يزيد بن عبد الملك. فلما ماتت حبابة وأخرجت، لم يستطع يزيد الركوب من الجزع ولا المشى، فحمل على منبر على رقاب الرجال. فلمّا دفنت قال: لم أصلّ عليها، انبشوا عنها. فقال له مسلمة: ننشدك الله يا أمير المؤمنين، إنما هى أمة من الإماء وقد واراها الثرى. فلم يأذن للناس بعد حبابة إلا مرّة واحدة؛ قال: فو الله ما استتمّ دخول الناس حتى قال الحاجب: اخرجوا رحمكم الله. ولم ينشب يزيد أن مات كمدا.