ريحه وأفعل مثل ذلك. فلما جىء بحبابة وغنّت، فلما غنّت ذلك الصوت أخذ معاوية الوسادة فوضعها على رأسه وقام يدور ويقول: الدّخن بالنّوى يعنى اللّوبيا! وأمر له يزيد بصلات فى دفعات مبلغها ثمانية آلاف دينار.
وحكى أيضا أنها غنّت يوما يزيد فطرب، ثم قال: هل رأيت أطرب منّى؟
قالت: نعم، مولاى الذى باعنى. فغاظه ذلك، فكتب فى حمله مقيّدا. فلما وصل أمر يزيد بإدخاله عليه فأدخل يرسف فى قيوده، وأمر يزيد حبابة أن تغنّى فغنّت:
تشطّ بنا دار جيراننا ... وللدّار بعد غد أبعد
فوثب حتى ألقى نفسه على الشمعة فاحترقت لحيته، وجعل يصيح: الحريق يا أولاد الزنا! فضحك يزيد وقال: لعمرى إن هذا لأطرب [١] الناس! وأمر بحلّ قيوده ووصله بألف دينار ووصلته حبابة، وردّه الى المدينة.
وروى أبو الفرج الأصفهانىّ بسنده الى غانم الأزدىّ قال: نزل يزيد بن عبد الملك ببيت رأس بالشأم ومعه حبابة، فقال: زعموا أنه لا يصفو لأحد يوما عيشه الى الليل لا يكدّره شىء عليه، وسأجرّب ذلك؛ ثم قال لمن معه: إذا كان غد لا تخبرونى بشىء ولا تأتونى بكتاب. وخلا هو وحبابة، فأتيا بما يأكلان، فأكلت رمّانة فشرقت بحبّة منها فماتت، فأقام لا يدفنها ثلاثا حتى تغيّرت وأنتنت وهو يشمّها ويرشفها. فعاتبه على ذلك ذووه وأقر باؤه وصديقه وعابوا عليه ما يصنع، وقالوا:
قد صارت جيفة بين يديك، فأذن لهم فى غسلها ودفنها، فأخرجت فى نطع، وخرج معها لا يتكلّم حتى جلس على قبرها. فلما دفنت قال: أصبحت والله كما قال كثيّر:
[١] كذا فى الأغانى. وفى الأصل: «إن مثل هذا يطرب الناس» .