للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما يبكيك وقد أكمل الله لنا ديننا برحمته، وأتمّ لنا سابغ نعمته؟ فقال: يبكينى أنه ماتم أمر إلا بدا نقصه. فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قريب. وإذا كانت مشوبة برائع يتخلّل صفوها، وطارق يجهم فى بعض الأوقات عفوها [١] ؛ كان ذلك صارفا عنها عين الكمال، مؤذنا بطول الآجال؛ حاكما لها بتراخى عمر البقاء، دالّا على الصعود بها إلى درج المكث الطويل والارتقاء؛ وحكمه حكم المرض الذى تصحّ به الأجساد، وتمحّص ذنوب من يسلّط عليه من العباد:

فلا يبهج الأعداء سوء ظنونهم ... فلله صنع فى الذى ساء ظاهر

فكم طالب شيئا به الشرّ كامن ... وكم كاره أمرا به الخير وافر

فلله الحمد الذى جعل ما جرت به الأقدار من الألم الواقع ظاهره، الوجل لوقعه ناظره؛ لعنايته جلّت عظمته عنوانا، وعلى دوام نعمته دليلا واضحا وبرهانا. وإليه الرغبة فى أن يجعل الديار وساكنيها، والناس فى أقاصى الدّنيا وأدانيها؛ لشريف الحوزة التى بها صلاح العالم فداء، وعنها للمكروه وقاء. فكل حادث مع دوام هذه الأيام الزاهرة جلل، وكل غمر [٢] من نوائب الدهر ما دافع لطف الله عنها وشل.

وقال أبو عبادة البحترىّ يهنّئ الفتح بن خاقان بسلامته من الغرق:

بعدوّك الحدث الجليل الواقع ... ولمن يكايدك الحمام الفاجع

قلنا: لعا لمّا عثرت ولا تزل ... نوب الليالى وهى عنك رواجع

ولربما عثر الجواد وشأوه ... متقدّم ونبا الحسام القاطع

لن [٣] تظفر الأعداء منك بزلّة ... والله دونك حاجز ومدافع

إحدى الحوادث شارفتك فردّها ... صنع الإله ولطفه المتتابع


[١] العفو: الفضل والمعروف وخيار الشىء وأجوده.
[٢] الغمر: الماء الكثير. وفى الأصل: «وكل غم» وهو تحريف، لأنه يريد المقابلة بينه وبين «وشل» بعده.
[٣] كذا فى ديوان البحترى. وفى الأصل: «إن تظفر» .