للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كلّ جانب، وحميت الحرب بين الكتائب الإسلاميّة وبين تلك الكتائب؛ ودخل الليل ونار الحرب تشتعل، والجياد من المحاجر تحفى وبالجماجم تنتعل؛ فأووا إلى جبال اعتصموا بهضابها، واحتموا بتوعّر مسالكها وضيق عقابها؛ وأحاطت بهم الجيوش المنصورة لحوسهم [١] لا لحفظهم، وتضمّ أطرافهم لا لحبّهم بل لبغضهم؛ فكانوا- بعد كثرة من قتل منهم فى المعركة الأولى أو فرّ من أوّل الليل- جمعا يناهز الأربعين ألف فارس، فأصبحوا يعاودون القتال، وينزلون إلى أطراف الجبال للنّزال؛ والجيوش المنصورة تلزمهم من كل جانب، وتحكّم فى أبطالهم القنا والقواضب.

وجرت فى أثناء ذلك حملات ظهر فى كلّ منها خسارهم، وشهد عندهم بما يكابدون قتلهم وإسارهم؛ وبعد ذلك نزلوا من جانب واحد يطلبون الفرار، ويتوقّعون القتل إن تعذّر الإسار؛ فساقت خلفهم الجيوش المنصورة تتخطّفهم رماحها، وتتلقّفهم صفاحها؛ وتقاذفت بمن نجا منهم الفلوات، وغرّقتهم أمواج السّراب قبل أمواج الفرات؛ فأخذوا قنصا باليد من بطون الأودية ورءوس الشّعاب، ولم يحصل أحد منهم على الغنيمة بالإياب؛ وقتل أكثر مقدّمى التمانات [٢] وفرّ كبيرهم وأنّى له الفرار، وبين يديه مفاوز إن سلك منها تناولته بأرماح من العطش القفار. فليأخذ المولى حظّه من هذه البشرى التى تنبىء عن الفتح العظيم والفضل العميم، والنّصرة التى حفظ الله بها على الإسلام البلاد والثغور والأموال والحريم؛ ويكتب إلى البلاد بمضمونها، ويسرّ قلوب أهل الثغور بمكنونها؛ ويستنهض المولى الأمّة لشكر الله عليها، ومن ذا الذى يقوم بشكر ذلك! ويعرّفهم مواقع هذه النّصرة التى أنجد الله فيها الإسلام بالملائك؛ ويتقدّم أمره بضرب البشائر بكلّ مكان، ويشهر فى جميع الثغور أن عدوّ


[١] فى الأصل: «لحرسهم» بالراء. والحوس: القتل.
[٢] فى أحد الأصول: «التومانات» .