للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ

. وليتأسّ الفاقد برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جعل الله فيه أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر، وليقتد بأصحابه رضى الله عنهم ليفوز بثواب الصابر ويحوز أجر الشاكر.

وباب الرّثاء فهو باب فسيح الرّحاب والنوادى، فصيح اللسان فى إجابة المنادى ذى القلب الصادى؛ متباين الأسلوب، مختلف الأطراف متباعد الشعوب؛ منه ما يصمى القلوب بنباله، ومنه ما يسلّيها بلطيف مقاله؛ ومنه ما يبعثها على الأسف، ومنه ما يصرفها عن موارد التلف. وقد أكثر الشعراء القول فى هذا الباب، وارتقوا الذّروة العلياء من هذه الهضاب؛ ووجدوا مكان القول ذا سعة فقالوا، وأصابهم هجير اللوعة فمالوا إلى ظلّه وقالوا. قال الأصمعىّ: قلت لأعرابىّ: ما بال المراثى أشرف أشعاركم؟ قال: لأنا نقولها وقلوبنا محترقة. وعلى الجملة فالموت هو المصيبة التى لا تدفع، والرزيّة التى لا تردّ بكثرة الجموع ولا تمنع؛ والحادثة التى لا تنصرف بالفداء وإن جلّ مقداره، والنازلة التى لا تتأخر عن وقتها بالدعاء وإن عظمت فى غيرها آثاره؛ وهو أحد الأربعة التى فرغ منها، وصرفت وجوه المطامع عنها.

وقد قالت الحكماء: أعظم المصائب كلّها انقطاع الرجاء. وقالوا: كل شىء يبدو صغيرا ثم يعظم إلا المصيبة فإنها تبدو عظيمة ثم تصغر. وقالوا: لا يكون البكاء إلا من فضل، فإذا اشتدّ الحزن ذهب البكاء. قال شاعر:

فلئن بكيناه لحقّ لنا ... ولئن تركنا ذاك للصّبر

فلمثله جرت العيون دما ... ولمثله جمدت فلم تجر

وقيل: مرّ الأحنف بامرأة تبكى ميّتا ورجل ينهاها؛ فقال: دعها فإنها تندب عهدا وسفرا بعيدا. قيل لأعرابيّة مات ابنها: ما أحسن عزاءك؟ قالت: