للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْهُ تَحِيدُ

. ثم قال: انظروا ملاءتىّ فاغسلوهما وكفّنونى فيهما، فإن الحىّ أحوج إلى الجديد من الميّت. ووقفت رضى الله عنها على قبره رضى الله عنه فقالت:

نضّر الله وجهك، وشكر لك صالح سعيك؛ فقد كنت للدنيا مذلّا بإدبارك عنها، وكنت للآخرة معزّا بإقبالك عليها؛ ولئن كان أجلّ الحوادث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم رزءك، وأعظم المصائب بعده فقدك؛ إن كتاب الله ليعد بحسن الصبر فيك وحسن العوض منك؛ فإنا لنتنجّز موعود الله بحسن العزاء عليك، وأستعيضه منك بالاستغفار لك. أما لئن كانوا أقاموا بأمور الدنيا لقد قمت بأمر الدّين حين وهى شعبه، وتفاقم صدعه، ورجفت جوانبه. فعليك السلام ورحمة الله توديع غير قالية لك، ولا زارية على القضاء فيك. ثم انصرفت.

ولما قبض رضى الله عنه سجّى عليه بالثوب، فارتجّت المدينة بالبكاء ودهش القوم كيوم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وجاء علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه باكيا مسرعا مسترجعا حتى وقف بالباب وهو يقول: رحمك الله أبا بكر، كنت والله أوّل القوم إسلاما، وأخلصهم إيمانا، وأشدّهم يقينا، وأعظمهم غناء، وأحفظهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحدبهم على الإسلام، وأحناهم على أهله، وأشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم خلقا وفضلا وهديا وسمتا؛ فجزاك الله عن الإسلام وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا، صدّقت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كذّبه الناس، وواسيته حين بخلوا، وقمت معه حين قعدوا، وأسماك الله فى كتابه صدّيقا فقال: وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ

، يريد محمدا ويريدك. كنت والله للإسلام حصنا وعلى الكافرين عذابا، لم تفلل حجّتك، ولم تضعف بصيرتك؛ ولم تجبن نفسك. كنت كالجبل الذى لا تحرّكه العواصف ولا تزيله القواصف. كنت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا فى بدنك،