فقد استوحشت الدنيا لفقده، وارتابت بنفسها من بعده، وعلمت حلاوة قربه بمرارة بعده؛ وانصرف ذوو الأبواب عن بابه، واجتنبت الآمال مغنى جنابه، وبكت الرياض على آثار سحابه.
فإن يمس وحشا بابه فلربّما ... تناطح أفواجا عليه المواكب
ومن إنشائه أيضا رحمه الله تعالى: ما شككت- أطال الله بقاءك- حين ورد النعى بالمصائب التى قصمت الظهور بمكروهها، وحسرت فيها الحسرات عن وجوهها؛ أنّ السماء على الأرض قد انطبقت، وأنّ الأيام ما أبقت والسعادة قد أبقت؛ والحياة لم يبق فى طولها طائل، والصبر بهجير اللوعة ظلّ منسوخ زائل؛ وشمس الفضائل قد غربت وكيف بطلوعها، ونفس المكارم قد نزعت من بين ضلوعها؛ وغاب الإسلام قد غاب منه أىّ ليث، ورياض الآمال قد أقلع عن سقياها أىّ غيث. فإنّا لله وإنا اليه راجعون، رضا بحكمه، وتجلّدا على ما رمى به الحادث من سهمه، وطبّا للقلوب على مضض البلاء وكلمه، وفرارا من الجمع بين مصيبة الفاقد وإثمه. وسقى الله ذاك الضريح ما شاء أن يسقيه من سحاب كصوب يديه، ورحمه رحمة تحفّ بجانبيه. وآها للماء العذب كيف ارتشفته النوازل وأبقت الملح، ثم آها للصباح الطّلق كيف اغتالته الأصائل وأطلقت الجنح؛ ووا أسفا لتلك الذخيرة التى فذلكت بها الأيّام ذخائرى، والسريرة التى طالما صنتها أن تمرّ بسرائرى؛ شفقا عليها من سهام دهر بالذخائر مولعة، وسترا لها من عين زمان على السرائر موقعة. ولئن صحب قلبى بعده أضلعى، وتحمّلت بعد فقده على ظلعى؛ فإنّا غدا على أثره، وإن كنّا اليوم على خبره. وقصر الحياة الى قصور، كما أن محصول غرورها غرور. والتأدّب بأدب الله أولى ما خفّف به المسلوب عن منكبه، وطريق السّلوان لابدّ أن يراجعه عزم منكبّه.
فأنشدها الله إلا جعلت مصيبتها مصيبة على الشامت بما تلبسه من صبر يلبس عليه