أبو فلان، بردّ الله ثراه، وكرّم مثواه؛ فكأنّما طعن ناعيه فى كبدى، وظعن باكيه بذخيرة جلدى. لا جرم أنّى دفعت إلى غمرة من التّلدّد لو صدم بها النجم لحار، أودهم بها الحزم لخار؛ ثم ثابت إلىّ نفسى وقد وقذها الجزع، وعضّها الوجع؛ فأطلت الاسترجاع، وجمعت الجلد الشّعاع، وها أنا عند الله أحتسبه جماع فضائل، وجمال محافل؛ وحديقة مكارم صوّحت، وصحيفة محاسن درست وانمحت. وما اقتصرت من رسم التعزية المألوف، على القليل المحذوف؛ إلا لعلمى بأن المعزّى لا يورد عليك غريبا، ولا يسمعك من مواعظه عجيبا؛ فبك يقتدى اللّبيب، وعلى مثالك يحتذى الأديب، وإلى غرضك فى كل موطن يوفى [١] المصيب؛ وفى تجافى الأقدار عن حوبائك، وسقوطها دون فنائك؛ ما يدعو إلى حسن التعزية. لا صدع الله جمعك، ولا قرع بنبأة المكروه سمعك.
ومن إنشاء القاضى الفاضل عبد الرحيم البيسانى:
ورد الخبر بمصرع فلان الذى عزّ على المعالى، وعزّيت به الليالى؛ وسقط به نجم الشرف وهوى، وجفّ به روض الكرم وذوى؛ ونقصت الأرض من أطرافها، ورجفت الجبال من أعرافها؛ وبكت عليه السماء فإنّ يده كانت من سحبها، وتناثرت له النجوم فإنّ عزمه كان من شهبها؛ واظلمت فى عينى الدنيا الظالمة، وتجرّعت منها كأسا لا تسيغها النفس كاظمة؛ وتقسّمت الأيام فريقين فى مودّتى وعداوتى، فآها على السالفة ولا مرحبا بالقادمة؛ وأصبحت أخوض الماء وأحشائى تتقطّع غليلا، وأرى الناس كثيرا بعينى وبقلبى قليلا.
وما النّاس فى عينىّ إلّا حجارة ... لبينك والأعراس إلا مآتم