للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صلى الله عليه وسلم: وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ

، فإذا كان من الناس من خان الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فكيف لا يخون الناس الناس! وأين الموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرون فى البأساء والضرّاء وحين الباس:

وقد كانوا إذا عدّوا قليلا ... فقد صاروا أقلّ من القليل

والمولى- أعزّه الله بنصره، وعوّضه أحسن العوض من أجره، وكتب له ثواب تسليمه إليه وصبره- ليس بأوّل من وثق بمن خان، وقضيّة بيروت بأوّل مقدور قال الله له: كن فكان؛ والقدر السابق لا يدفعه الهمّ اللاحق، ومن الخجلات المستعارة خجلة الواثق، والموثوق به لائق به الخجل الصادق؛ ومعاذ الله أن ينكس المجلس رأسه حياء، أو أن يسخط لله قضاء؛ أو أن يأسف على مال نقله من مودعه الذى لا يؤمن من الآفات عليه، إلى مودع الله الذى يحفظه إلى أن يأتيه به أحوج ما كان إليه؛ والحمد لله الذى جعل مصائبنا فى الدنيا فوائدنا فى الأخرى، ثم الحمد لله الذى جعل البادرة للعدوان والعاقبة للتقوى. وقد علم الله أنى مقاسمه ومساهمه، ومضمر من الهمّ بما اتفق من هذا المقدور ما مقدّره عالمه؛ غير أنه لا حيلة لمن لا حيلة له إلا الصبر، وإن صبر جرى عليه القدر وجرى له الأجر، وإن لم يصبر جرى عليه القدر وكتب عليه الوزر؛ وكل ما ذهب من صاحبه قبل أن يذهب صاحبه فقد أنعم الله عليه، حيث أخرج ما فى يديه وأبقى يديه؛ والمال غاد ورائح، والمال بالحقيقة هو العمل الصالح؛ وإن اجتمع موصلها بحضرته فهو ينهى ما عندى، ويؤدّى حقيقة ودّى؛ ورأية الموفّق.

وقال أبو المظفّر الأبيوردىّ [١] لما استولى الفرنج على البيت المقدّس فى سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة قصيدة منها:


[١] وتنسب هذه الأبيات أيضا فى النجوم الزاهرة (ج ٥ ص ١٥١ طبع دار الكتب المصرية) القاضى زين الدين أبى سعد الهروىّ.