للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غروره دون أن [تستوثق [١] و] تستظهر بموثق غليظ [٢] من الله تعالى؛ فإنّك إذا لم تجرّب حال القدرة فلا تثق بالقدرة على الترك عندها؛ فكم من ظانّ بنفسه كراهة المعاصى عند تعذّرها فلما تيسّرت له أسبابها من غير مكدّر ولا مخوف من الخلق وقع فيها.

وإذا كان هذا غرور النفس فى المحظورات فإيّاك أن تثق بوعدها فى المباحات.

والموثق الغليظ الذى تأخذه عليها أن تجرّبها مرّة بعد مرّة فى حال القدرة، فاذا وفّت بما وعدت على الدوام مع انتفاء الصوارف والأعذار ظاهرا وباطنا فلا بأس أن تثق بها وثوقا ما، ولكن تكون من تغيّرها على حذر، فإنها سريعة النقض للعهد، قريبة الرجوع إلى مقتضى الطبع. وبالجملة فلا أمان منها إلا عند الترك بالإضافة إلى ما تركت فقط وذلك عند القدرة. قال: وليس من الزهد بذل المال على سبيل السخاء والفتوّة وعلى سبيل استمالة القلوب ولا على سبيل الطمع، فذلك كلّه من محاسن العادات ولا مدخل له فى العبادات، إنما الزهد أن تترك الدنيا لعلمك بحقارتها بالإضافة إلى نفاسة الآخرة. [فأمّا كل نوع من الترك فإنه يتصوّر ممن لا يؤمن بالآخرة [١]] فذلك قد يكون مروءة وفتوّة وسخاء وحسن خلق، وحسن الذكر وميل القلوب من حظوظ العالجة، وهى ألذّ وأهنأ من المال؛ بل الزاهد من أتته الدنيا راغمة عفوا وصفوا وهو قادر على التنعّم بها من غير نقصان جاه وقبح اسم وفوات حظّ للنفس، فتركها خوفا من أن يأنس بها فيكون آنسا بغير الله ومحبّا لما سوى الله، ويكون مشركا فى حبّ الله غير الله؛ أو تركها طمعا فى ثواب آخر فترك التمتّع بأشربة الدنيا طمعا فى أشربة الجنّة، وترك التمتّع بالسرارى والنسوان طمعا فى الحور العين، وترك التفرّج فى البساتين طمعا فى بساتين الجنّة وأشجارها، وترك التزيّن والتجمّل بزينة الدنيا طمعا فى زينة الجنّة، وترك المطاعم اللذيذة طمعا


[١] زيادة عن الإحياء.
[٢] كذا فى الإحياء. وفى الأصل: «بموثق عليك» .