وزار رابعة العدوية أصحابها فذكروا الدنيا فأقبلوا على ذمّها، فقالت: أمسكوا عن ذكرها، فلولا موقعها من قلوبكم ما أكثرتم من ذكرها، ألا من أحبّ شيئا أكثر من ذكره.
وقال رجل لعلىّ رضى الله عنه: يا أمير المؤمنين، صف لنا الدنيا؛ فقال:
وما أصف لكم من دار من صحّ فيها ما أمن، ومن سقم فيها ندم [١] ، ومن افتقر فيها حزن، ومن استغنى فيها فتن؛ فى حلالها الحساب، وفى حرامها العذاب.
وقال الحسن بعد أن تلا قوله تعالى فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا*
: من قال ذا؟ من خلقها من هو أعلم بها. إيّاكم وما شغل من الدنيا فإنّ الدنيا كثيرة الأشغال، لا يفتح رجل على نفسه باب شغل إلا أوشك ذلك الباب أن يفتح عليه عشرة أبواب. وقال أيضا: مسكين ابن آدم رضى بدار حلالها حساب، وحرامها عذاب، إن أخذه من حلّه حوسب به، وإن أخذه من حرام عذّب به. ابن آدم يستقلّ ماله ولا يستقلّ عمله، يفرح بمصيبته فى دينه ويجزع من مصيبته فى دنياه.
وقال داود الطائىّ: يآبن آدم، فرحت ببلوغ أملك، وإنّما بلغته بانقضاء أجلك، ثم سوّفت بعملك، كأنّ منفعته لغيرك.
وقال بشر: من سأل الله الدنيا فإنما يسأله طول الوقوف بين يديه.
وقال أبو حازم: ما فى الدنيا شىء يسرّك إلا وقد ألصق الله إليه شيئا يسوءك وقال الحسن: أهينوا الدنيا، فو الله ما هى لأحد بأهنأ منها لمن أهانها. وقال أيضا: إذا أراد الله بعبد خيرا أعطاه عطيّة من الدنيا ثم يمسك، فإذا نفد أعاد عليه؛ وإذا هان عليه عبد بسط له الدنيا بسطا.
[١] كذا فى الأصلين. وفى الإحياء (ج ٣ ص ١٩٢) : «من صح فيها سقم، ومن أمن فيها ندم» .