والأحجار المسندة، فى القبور اللاطئة الملحدة؛ فمحلّها مقترب، وساكنها مغترب، بين أهل عمارة موحشين، وأهل محلّة متشاغلين؛ لا يستأنسون بالعمران، ولا يتواصلون تواصل الجيران والإخوان؛ على ما بينهم من قرب المكان والجوار، ودنوّ الدار.
وكيف يكون بينهم تواصل وقد طحنهم بكلكله البلى، وأكلتهم الجنادل والثرى؛ وأصبحوا بعد الحياة أمواتا، وبعد غضارة العيش رفاتا؛ فجع بهم الأحباب، وسكنوا التراب، وظعنوا فليس لهم إياب. هيهات هيهات! كلّا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون؛ فكأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه من البلى والوحدة فى دار المثوى، وارتهنتم فى ذلك المضجع، وضمّكم ذلك المستودع؛ فكيف بكم لو قد عاينتم الأمور، وبعثرت القبور، وحصّل ما فى الصدور؛ ووقفتم للتحصيل، بين يدى الملك الجليل؛ فطارت القلوب، لإشفاقها من سالف الذنوب؛ وهتكت عنكم الحجب والأستار، وظهرت منكم العيوب والأسرار؛ هنالك تجزى كلّ نفس ما كسبت.
إن الله عز وجلّ يقول: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى
؛ وقال تعالى: وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً
. جعلنا الله وإيّاكم عاملين بكتابه، متّبعين لأوليائه، حتّى يحلّنا وإيّاكم دار المقامة من فضله، إنه حميد مجيد.
ومما يلتحق بهذا الفصل ويدخل فيه، خطبة قطرىّ بن الفجاءة وسترد فى كلام البلغاء فى باب الكتابة.
وقال بعضهم: يأيها الناس، اعملوا على مهل، وكونوا من الله على وجل، ولا تغترّوا بالأمل ونسيان الأجل؛ ولا تركنوا إلى الدنيا فإنها غدّارة خدّاعة،