تعجز عمّا أوتيتما لفعلت، ولكنّى أرغب بكما عن ذلك فأزوى ذلك عنكما، وكذلك أفعل بأوليائى، إنى لأذودهم عن نعيمها كما يذود الراعى الشفيق غنمه عن مراتع الهلكة؛ وما ذاك لهوانهم علىّ ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتى سالما موفّرا.
إنما يتزيّن لى أوليائى بالذّلّ والخضوع والخوف والتقوى تنبت فى قلوبهم فتظهر على أجسادهم، فهى ثيابهم التى يلبسون، ودثارهم الذى يظهرون، وضميرهم الذى يستشعرون، ونجاتهم التى بها يفوزون، ورجاؤهم الذى إيّاه يأملون، ومجدهم الذى به يفخرون، وسيماهم التى بها يعرفون. فإذا لقيتهم فاخفض لهم جناحك وذلّل لهم قلبك ولسانك. واعلم أنّ من أخاف لى وليّا فقد بارزنى بالمحاربة، ثم أنا الثائر له يوم القيامة.
وخطب علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه يوما [خطبة [١]] فقال فيها:
اعلموا أنكم ميّتون، ومبعوثون من بعد الموت وموقوفون على أعمالكم ومجزيّون بها، فلا تغرّنّكم الحياة الدنيا؛ فإنّها بالبلاء محفوفة، وبالفناء معروفة، وبالغدر موصوفة؛ وكلّ ما فيها إلى زوال، وهى بين أهلها دول وسجال؛ لا تدوم أحوالها، ولا يسلم من شرها نزّالها؛ بينا أهلها فى رخاء وسرور، إذا هم منها فى بلاء وغرور؛ أحوال مختلفة، وتارات متصرّفة؛ العيش فيها مذموم، والرخاء فيها لا يدوم. وإنما أهلها فيها أغراض مستهدفة ترميهم بسهامها، وتقصيهم بحمامها؛ وكلّ حتفه فيها مقدور، وحظّه فيها موفور. واعلموا عباد الله أنكم وما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى ممن كان أطول منكم أعمارا، وأشدّ منكم بطشا وأعمر ديارا، وأبعد آثارا؛ فأصبحت أصواتهم هامدة وخامدة من بعد طول تقلّبها، وأجسادهم بالية، وديارهم خالية، وآثارهم عافية؛ استبدلوا بالقصور المشيّدة، والسّرر والنمارق الممهّدة، الصخور