للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأعدائه اغترارا؛ فيظنّ المغرور المقتدر عليها أنه أكرم بها، ونسى ما صنع الله عز وجل بمحمد صلى الله عليه وسلم حين شدّ الحجر على بطنه. ولقد جاءت الرواية عنه عن ربّه عز وجل أنه قال لموسى عليه السلام: إذا رأيت الغنى مقبلا فقل: ذنب عجّلت عقوبته، وإذا رأيت الفقر مقبلا فقل: مرحبّا بشعار الصالحين. فإن شئت اقتديت بصاحب الروح والكلمة عيسى بن مريم عليه السلام فإنه كان يقول: إدامى الجوع، وشعارى الخوف، ولباسى الصوف، وصلائى فى الشتاء مشارق الشمس، وسراجى القمر، ودابّتى رجلاى، وطعامى وفاكهتى ما تنبت الأرض، أبيت ليس لى شىء وأصبح وليس لى شىء وليس على الأرض أغنى منّى.

وقال بعضهم لبعض الملوك: إن أحقّ الناس بذمّ الدنيا وقلاها من بسط له فيها وأعطى حاجته منها، لأنه يتوقّع آفة تعدو على ماله فتجتاحه، أو على جمعه فتفرّقه، أو تأتى سلطانه فتهدمه من القواعد، أو تدبّ إلى جسمه فتسقمه، أو تفجعه بشىء هو ضنين به من أحبابه. فالدنيا أحقّ بالذمّ، هى الآخذة لما تعطى، الراجعة فيما تهب. بينا هى تضحك صاحبها إذ أضحكت منه غيره، وبينا هى تبكى له إذ بكت عليه، وبينا هى تبسط كفّه بالإعطاء إذ بسطتها بالاسترداد. تعقد التاج على رأس صاحبها اليوم وتعفّره فى التراب غدا؛ سواء عليها ذهاب ما ذهب وبقاء ما بقى، تجد فى الباقى من الذاهب خلفا، وترضى بكلّ من كلّ بدلا.

وعن وهب بن منبّه أنه قال:

لمّا بعث الله عز وجلّ موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون قال:

لا يرو عنّكما لباسه الذى لبس من الدنيا، فإنّ ناصيته بيدى ليس ينطق ولا يطرف ولا يتنفّس إلا بإذنى، ولا يعجبنّكما ما متّع به منها فإنما هى زهرة الدنيا وزينة المترفين. فلو شئت أن أزيّنكما بزينة من الدنيا يعرف فرعون حين يراها أنّ قدرته