للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأصبحت كالعروس المجلوّة [١] ، فالعيون إليها ناظرة، والقلوب عليها والهة، والنفوس لها عاشقة، وهى لأزواجها كلّهم قالية؛ فلا الباقى بالماضى معتبر، ولا الآخر بالأوّل مزدجر، والعارف بالله عز وجلّ حين أخبره عنها مدّكر؛ فعاشق لها قد ظفر منها بحاجته فاغترّ وطغى ونسى المعاد، فشغل لبّه حتى زلّت [به [٢]] قدمه، فعظمت ندامته، وكثرت حسرته، واجتمعت عليه سكرات الموت وتألّمه، وحسرات الفوت بغصّته؛ وراغب [٣] فيها لم يدرك فيها ما طلب، ولم يروّح نفسه من التعب؛ فخرج بغير زاد، وقدم على غير مهاد. فاحذرها يا أمير المؤمنين، وكن أسرّ ما تكون فيها أحذر ما تكون لها؛ فإنّ صاحب الدنيا كلما اطمأنّ فيها إلى سرور أشخصته إلى مكروه؛ السارّ فيها أهلها غارّ، والنافع فيها غدّار [٤] ضارّ؛ وقد وصل الرخاء فيها بالبلاء، وجعل البقاء فيها إلى فناء، فسرورها مشوب بالأحزان. لا يرجع منها ما ولّى وأدبر، ولا يدرى ما هو آت فينتظر؛ أمانيها كاذبة، وآمالها باطلة، وصفوها كدر، وعيشها نكد، وابن آدم فيها على خطر، ومن البلاء على حذر. فلو كان الخالق لم يخبر عنها خبرا، ولم يضرب لها مثلا، لكانت الدنيا أيقظت النائم ونبّهت الغافل، فكيف وقد جاء من الله عز وجلّ عنها زاجر وفيها واعظ! فما لها عند الله جل ثناؤه قدر، وما نظر إليها منذ خلقها. ولقد عرضت على نبيّك صلى الله عليه وسلم بمفاتيحها وخزائنها لا ينقصه ذلك عند الله جناح بعوضة فأبى أن يقبلها إذ كره أن يخالف على الله أمره، أو يحبّ ما أبغض خالقه، أو يرفع ما وضع مليكه. فزواها [٥] عن الصالحين اختبارا. وبسطها


[١] فى الأصل: «المجلية» والفعل واوى كما فى القاموس.
[٢] زيادة عن الإحياء.
[٣] كذا فى الإحياء. وفى الأصلين: «ومن راغب بزيادة «من» والسياق يأباها.
[٤] كذا فى الإحياء. وفى الأصلين: «والنافع فيها غدا ضارّ» .
[٥] زواه زيّا وزويّا: نحّاه.