للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فبئس القوم أنتم! ما حقّقتم إيمانكم بما يعرف به الإيمان البالغ فيكم. فإن كنتم فى شكّ مما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فأتونا لنبيّن لكم ولنريكم من النور ما تطمئنّ اليه قلوبكم. والله ما أنتم بالمنقوصة عقولكم فنعذركم؛ إنكم لتبيّنون صواب الرأى فى دنياكم وتأخذون بالحزم فى أموركم. ما لكم تفرحون باليسير من الدنيا تصيبونه وتحزنون على اليسير منها يفوتكم، يتبين ذلك فى وجوهكم ويظهر على ألسنتكم، وتسمّونها المصائب وتقيمون فيها المآتم، وعامّتكم قد تركوا كثيرا من دينهم ثم لا يتبيّن ذلك فى وجوهكم [١] ولا يتغيّر حال بكم!. إنى لأرى الله قد تبرّأ منكم. يلقى بعضكم بعضا بالسرور، وكلكم يكره أن يستقبل صاحبه بما يكره مخافة أن يستقبله صاحبه بمثله، فاصطحبتم [٢] على الغلّ، ونبتت مراعيكم على الدّمن، وتصافيتم على رفض الأجل. ولو ددت أن الله أراحنى منكم وألحقنى بمن أحبّ رؤيته، ولو كان حيّا لم يصابركم. فإن كان فيكم خير فقد أسمعتكم؛ وإن تطلبوا ما عند الله تجدوه يسيرا. والله أستعين على نفسى وعليكم.

وكتب الحسن البصرىّ إلى عمر بن عبد العزيز رحمهما الله تعالى:

أمّا بعد، فإن الدنيا دار ظعن ليست بدار إقامة، وإنما أنزل آدم عليه السلام من الجنّة إليها عقوبة؛ فاحذرها يا أمير المؤمنين؛ فإنّ الزاد منها تركها، والغنى منها فقرها؛ لها فى كلّ حين قتيل؛ تذلّ من أعزّها، وتفقر من جمعها؛ هى كالسّم يأكله من لا يعرفه وهو حتفه. فكن فيها كالمداوى جراحته، يحتمى قليلا مخافة ما يكره طويلا، ويصبر على شدّة الدواء مخافة طول الداء. فاحذر هذه الدار الغدّارة الختّالة الخدّاعة التى قد تزيّنت بخدعها وفتنت بغرورها، وحلت بامالها، وسوّفت بخطّابها؛


[١] كذا فى الإحياء. وفى الأصلين: «ثم لا يتبين ذلك فى وجوههم» .
[٢] كذا فى الإحياء. وفى الأصل: «فأصبحتم على الغل ... » .