للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بل هو مستغرق الهمّ بالله تعالى، وهو الموحّد الحقيقىّ الذى لا يطلب غير الله تعالى، لأنّ من طلب غير الله فقد عبده؛ وكلّ مطلوب معبود، وكلّ طالب عبد بالإضافة إلى مطلبه، وطلب غير الله من الشرك الخفىّ؛ وهذا زهد المحبّين وهم العارفون، لأنه لا يحبّ الله تعالى خاصّة إلا من عرفه؛ وكما أنّ من عرف الدينار والدرهم وعلم أنّه لا يقدر على الجمع بينهما لم يحبّ إلا الدينار، فكذلك من عرف الله تعالى وعرف لذّة النظر الى وجهه الكريم، وعرف أن الجمع بين تلك اللذّة وبين لذّة التنعّم بالحور العين والنظر الى نقش القصور وخضرة الأشجار غير ممكن، فلا يحبّ إلّا لذّة النظر ولا يؤثر غيره. قال: ولا تظنّن أن أهل الجنّة عند النظر إلى وجه الله تعالى يبقى للذّة الحور والقصور متّسع فى قلوبهم، بل تلك اللذّة بالإضافة إلى لذّة نعيم الجنّة كلذّة ملك الدنيا والاستيلاء على أطراف الأرض ورقاب الخلق بالإضافة إلى الاستيلاء على عصفور واللعب به؛ والطالبون لنعيم الجنة عند أهل المعرفة وأرباب القلوب كالصبىّ الطالب للّعب بالعصفور التارك للذّة الملك، وذلك لقصوره عن إدراك لذّة الملك لا لأن اللعب بالعصفور فى نفسه أعلى وألذّ من الاستيلاء بطريق الملك على كافة الخلق.

وأمّا المرغوب عنه، فقد كثرت فيه الأقاويل.

قال الغزالىّ رحمه الله: لعلها تزيد على مائة قول، وأشار إلى كلام محيط بالتفاصيل فقال: المرغوب عنه بالزهد له إجمال وتفصيل، ولتفصيله مراتب بعضها أشرح لآحاد الأقسام وبعضها أجمع للجمل.

أما الإجمال فى الدرجة الأولى: فهو كلّ ما سوى الله فينبغى أن يزهد فيه حتّى يزهد فى نفسه أيضا.