عنها: كانت تأتى علينا أربعون ليلة وما يوقد فى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مصباح ولا نار. قيل لها: فبم كنتم تعيشون؟ قالت: بالأسودين التمر والماء.
وجاء أهل قباء إلى النبىّ صلى الله عليه وسلم بشربة من لبن مشوبة بعسل، فوضع القدح من يده وقال:«أما إنّى لست أحرّمه ولكنّى أتركه تواضعا لله تعالى»
. وأتى عمر بن الخطّاب رضى الله عنه بشربة من ماء بارد وعسل فى يوم صائف فقال:
اعزلوا عنّى حسابها. وقال يحيى بن معاذ الرازىّ. الزاهد الصادق قوته ما وجد، ولباسه ما ستر، ومسكنه حيث أدرك؛ الدنيا سجنه، والقبر مضجعه، والخلوة مجلسه، والاعتبار فكرته، والقرآن حديثه، والربّ أنيسه، والذكر رفيقه، والزهد قرينه، والحزن شأنه، والحياء شعاره، والجوع إدامه، والحكمة كلامه، والتراب فراشه، والتقوى زاده، والصمت غنيمته، والصبر معتمده، والتوكّل حسبه، والعقل دليله، والعبادة حرفته، والجنّة مبلغه إن شاء الله تعالى.
المهم الثانى الملبس. وأقلّ درجاته ما يدفع الحرّ والبرد ويستر العورة، وهو كساء يتغطّى به؛ وأوسطه قميص وقلنسوة ونعلان؛ وأعلاه أن يكون معه منديل وسراويل. وما جاوز هذا من حيث المقدار فهو مجاوز حدّ الزهد. وشرط الزهد ألّا يكون له ثوب يلبسه اذا غسل ثوبه بل يلزمه القعود فى البيت؛ فإذا صار صاحب قميصين وسراويلين ومنديلين فقد خرج من جميع أبواب الزهد. هذا من حيث المقدار. وأما الجنس، فأقلّه المسوح الخشنة، وأوسطه الصوف الخشن، وأعلاه القطن الغليظ.
وأما من حيث الوقت، فأقصاه ما يستر سنة، وأقلّه ما يبقى يوما، وقد رقع بعضهم ثوبه بورق الشجر [وإن كان يتسارع الجفاف إليه [١]] ؛ وأوسطه ما يتماسك