للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه شهرا وما يقاربه. فطلب ما يبقى أكثر من سنة خروج إلى طول الأمل، وهو مضادّ للزهد إلا إذا كان المطلوب خشونته وقد يتبع ذلك قوّته ودوامه. فمن وجد زيادة من ذلك فينبغى أن يتصدّق به؛ فإن أمسكه لم يكن زاهدا بل كان محبّا للدنيا. ولينظر إلى أحوال الأنبياء صلى الله عليهم والصحابة رضى الله عنهم كيف تركوا الملابس. قال أبو بردة: أخرجت لنا عائشة رضى الله عنها كساء ملبّدا وإزارا غليظا فقالت: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذين.

وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى يحبّ المتبذّل الذى لا يبالى ما لبس»

. وفى الخبر: «ما من عبد لبس ثوب شهرة إلا أعرض الله عنه حتى ينزعه وإن كان عنده حبيبا» .

واشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبا بأربعة دراهم وكان إزاره أربعة أذرع ونصفا، واشترى سراويل بثلاثة دراهم، وكان يلبس شملتين بيضاوين من صوف وكانت تسمّى حلّة لأنهما ثوبان من جنس واحد. وربما كان يلبس بردين يمانيين أو سحوليّين. ولبس صلى الله عليه وسلم يوما واحدا ثوبا سيراء [١] من سندس قيمته مائتا درهم، فكان أصحابه يلمسونه ويقولون: يا رسول الله، أنزل هذا عليك من الجنّة! تعجّبا، وكان قد أهداه إليه المقوقس ملك الإسكندرية، فأراد أن يكرمه بلبسه ثم نزعه وأرسل به إلى رجل من المشركين وصله به، ثم حرّم لبس الحرير والديباج.

وقد صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى خميصة [٢] لها علم فلمّا سلّم قال: «شغلنى النظر الى هذه اذهبوا بها الى أبى جهم وأتونى بأنجبانيّته [٣] »

(يعنى كساءه) فاختار لبس الكساء على الثوب الناعم. وكان شراك نعله قد أخلق فأبدل بسير جديد فصلّى


[١] السيراء (بكسر السين وفتح التحتية ممدودا) : ضرب من البرود فيه خطوط صفر.
[٢] الخميصة: ثوب خز أو صوف معلم.
[٣] الأنبجانىّ: نسبة الى منبج (كمجلس) موضع بالشأم، يقال فى النسبة اليه منبجانى وأنبجانى بفتح بائهما على غير قياس.