للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

موضعا خاصّا لنفسه مثل كوخ مبنىّ من سعف أو خصّ أو ما يشبهه، وأدناها أن يطلب حجرة مبنيّة إما بشراء أو إجارة. فإن كان قدر سعة المسكن على قدر حاجته من غير زيادة ولم تكن فيه زينة لم يخرجه هذا القدر عن آخر درجات الزهد. فإن طلب التشييد والتجصيص والسعة وارتفاع السقف أكثر من ستة أذرع فقد جاوز بالكليّة حدّ الزهد فى المسكن. قال: والغرض من المسكن دفع المطر والبرد ودفع الأعين والأذى. وأقلّ الدرجات فيه معلوم، وما زاد عليه فهو من الفضول، والفضول كله من الدنيا، وطالب الفضول والساعى له بعيد من الزهد.

وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا أراد الله بعبد شرّا أهلك ماله فى الماء والطين»

. وقال الحسن: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يضع لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة.

وقال عبد الله بن عمر رضى الله عنهما: مرّ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نعالج خصّا فقال: «ما هذا» قلنا: خصّ لنا قد وهى؛ قال: «أرى الأمر أعجل من ذلك»

. واتخذ نوح عليه السلام بيتا من قصب؛ فقيل له: لو بنيت! فقال: هذا كثير لمن يموت. وقال الحسن: دخلنا على صفوان بن محرز [١] وهو فى بيت من قصب قد مال عليه؛ فقيل له: لو أصلحته! فقال: كم من رجل قد مات وهذا قائم على حاله.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من بنى فوق ما يكفيه كلّف أن يحمله يوم القيامة»

. وفى الخبر:

«كلّ نفقة للعبد يؤجر عليها إلا ما أنفقه فى الماء والطين» . وجاء فى تفسير قوله تعالى: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً

أنه الرياسة والتطاول فى البنيان.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلّ بناء وبال على صاحبه يوم القيامة إلا ما أكنّ من حرّ وبرد»

. ونظر عمر رضى الله عنه


[١] كذا فى كتابى الخلاصة والتهذيب فى أسماء الرجال. وفى الأصلين: «محيريز» .