فى طريق الشأم الى صرح قد بنى بجصّ وآجرّ، فكبّر وقال: ما كنت أظنّ أن يكون فى هذه الأمّة من يبنى بنيان هامان لفرعون. وكان ارتفاع بناء السلف قامة وبسطة. قال الحسن: كنت اذا دخلت بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضربت بيدى الى السقف. وقال عمرو بن دينار: اذا علىّ العبد البناء فوق ستة أذرع ناداه ملك: الى أين يا أفسق الفاسقين. وقال الفضيل: إنّى لا أعجب ممن بنى وترك ولكنّى أعجب ممن نظر اليه ولم يعتبر. وقال ابن مسعود: يأتى قوم يرفعون الطين، ويضعون الدين، ويستعملون البراذين، يصلّون الى قبلتكم، ويموتون على غير دينكم.
المهم الرابع أثاث البيت. وللزهد فيه أيضا درجات، أعلاها حال عيسى عليه السلام إذ كان لا يصحبه إلا مشط وكوز؛ فرأى إنسانا يمشط لحيته بأصابعه؛ فرمى بالمشط. ورأى آخر يشرب من النهر بكفّيه فرمى بالكوز. وهذا حكم كلّ أثاث فإنه إنما يراد لمقصود فإذا استغنى عنه فهو وبال فى الدنيا والآخرة. وما لا يستغنى عنه فيقتصر فيه على أقلّ الدرجات وهو الخزف فى كلّ ما يكفى فيه الخزف، ولا يبالى أن يكون مكسور الطرف اذا كان المقصود يحصل به. وأوسطها أن يكون له أثاث بقدر الحاجة صحيح فى نفسه، ولكن يستعمل الآلة الواحدة فى مقاصد كالذى معه قصعة يأكل فيها ويشرب فيها ويحفظ المتاع فيها. وكان السلف يستحبّون استعمال آلة واحدة فى أشياء للتخفيف. وأعلاها أن يكون له بعدد كلّ حاجة آلة من الجنس النازل الخسيس؛ فإن زاد فى العدد أو فى نفاسة الجنس خرج من جميع أبواب الزهد وركن الى طلب الفضول. ولينظر الى سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه رضى الله عنهم. قالت عائشة رضى الله عنها: كان