وإيّاك أن تأتيهم أو تتصنّع لإتيانهم أو تحبّ أن يأتوك، واهرب منهم ما استطعت.
وفى كتاب للهند أن رجلا دخل على بعض ملوكهم فقال: أيها الملك، إنّ نصيحتك واجبة فى الصغير الحقير والكبير الخطير، ولولا الثقة بفضيلة رأيك واحتمال ما يسوء موقعه منك فى جنب صلاح العامّة وتلافى الخاصّة لكان خرقا منّى أن أقول، ولكنّا إذا رجعنا إلى أن بقاءنا مشمول ببقائك، وأنفسنا معلّقة بنفسك لم نجد بدّا من أداء الحقّ إليك وإن أنت لم تسلنى ذلك؛ فإنه يقال: من كتم السلطان نصيحته والأطباء مرضه والإخوان بثّه فقد أخلّ بنفسه. وأنا أعلم أنّ كلّ ما كان من كلام يكرهه سامعه، لم يتشجّع عليه قائله إلا أن يثق بعقل المقول له، فإنه إذا كان عاقلا احتمل ذلك، لأنه ما كان فيه من نفع فإنما هو للسامع دون القائل. وإنك أيها الملك ذو فضيلة فى الرأى وتصرّف فى العلم، وإنما يشجّعنى ذلك على أن أخبرك بما تكره واثقا بمعرفتك بنصحى لك وإيثارى إيّاك على نفسى.
وقال عمرو بن عتبة للوليد بن يزيد حين تغيّر الناس له: يا أمير المؤمنين، إنه ينطقنى الأمن منك، وتسكتنى الهيبة لك، وأراك تأمن أشياء أخافها عليك، أفأسكت مطيعا، أم أقول مشفقا؟ قال: قل، مقبول منك، ولله فينا علم غيب نحن صائرون إليه؛ فقتل بعد ذلك بأيام.
وقالوا: ينبغى لمن صحب السلطان ألّا يكتم عنه نصيحته وإن استقلّها، وليكن كلامه له كلام رفق لا كلام خرق، حتى يخبره بعيبه من غير أن يواجهه بذلك، ولكن يضرب له الأمثال ويعرّفه بعيب غيره، ليعرف به عيب نفسه.
دخل الزّهرىّ على الوليد بن عبد الملك فقال له: ما حديث يحدّثنا به أهل الشام؟ قال: وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: يحدّثوننا أن الله إذا استرعى عبدا