معاوية بن أبى سفيان وعنده زياد، فرحّب به معاوية وألطفه وقرّبه ولم يكلّمه زياد بكلمة، فابتدأه ابن عبّاس وقال: ما حالك يا أبا المغيرة! كأنك أردت أن تحدث بيننا وبينك هجرة؛ قال: لا، ولكنه لا يسلّم على قادم بين يدى أمير المؤمنين؛ فقال له ابن عبّاس: ما ترك الناس التحيّة بينهم عند أمرائهم؛ فقال له معاوية:
كفّ عنه يابن عبّاس، فإنك لا تشاء أن تغلب إلا غلبت.
وقالوا: كن على التماس الخطإ بالسكوت بين يدى السلطان أحرص منك على التماسه بالكلام.
وقالوا: مساءلة الملوك عن أحوالهم من تحيّة النّوكى.
وقالوا: لا تسلّم على الملك، فإنه إن أجابك شقّ عليه، وإن لم يحبك شقّ عليك.
وقال الفضل بن الربيع: سنتان مهملتان عند الملوك: السلام والتشميت، لأنهم يصانون عن كلّ ما يقتضى جوابا.
وقيل: لا يقدر على صحبة السلطان إلا من يستقلّ بما حمّلوه، ولا يلحف إذا سألهم، ولا يغتّر بهم إذا رضوا عنه، ولا يتغيّر لهم إذا سخطوا عليه، ولا يطغى إذا سلّطوه، ولا يبطر إذا أكرموه.
وقال فيلسوف: إذا قرّبك السلطان فكن منه على حدّ السّنان، وإن استرسل إليك فلا تأمن انقلابه عليك، وارفق به رفقك بالصبىّ، وكلّمه بما يشتهى. قال الصاحب بن عبّاد
إذا ولّاك سلطان فزده ... من التعظيم واحذره وراقب
فما السلطان إلا البحر عظما ... وقرب البحر محذور العواقب
وقال أبو الفتح البستىّ: أجهل الناس من كان مدلّا على السلطان مذلّا للإخوان.