للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا قلبك بحديث نفس، واحذر هذا من نفسك وتعهدها به. وقال: لا تشكونّ إلى وزراء السلطان ودخلائه ما اطّلعت عليه منه من رأى أنت تكرهه، فإنك تكون قد فطّنتهم لهواه والميل عليك معه. وقال: لا تكونن صحبتك للملوك إلا بعد رياضة منك لنفسك على طاعتهم فى المكروه عندك، وموافقتهم فيما خالفك، وتقدير الأمور على أهوائهم دون هواك، وعلى [١] ألّا تكتمهم سرّك ولا تستطلعهم ما كتموك، وتخفى ما أطلعوك عليه عن الناس كلهم [حتى تحمى نفسك الحديث به [٢]] ، وعلى الاجتهاد فى طلب رضاهم، والتلطّف لحاجاتهم، والتثبيت لحجتهم [٣] ، والتصديق لمقالتهم، [والتزيين [٢] لرأيهم] ، وقلّة الامتعاض لما فعلوا إذا أساءوا، وترك الانتحال لما فعلوا اذا أحسنوا [٤] ، وكثرة النشر لمحاسنهم، وحسن السّتر لمساوئهم، والمقاربة لمن قاربوا وإن كان بعيدا، والمباعدة لمن باعدوا وإن كان قريبا، والاهتمام بأمورهم وإن لم يهتمّوا، والحفظ لأمورهم وإن ضيّعوا، والذكر لأمورهم وإن نسوا، والتخفيف بمؤنتك عنهم، والاحتمال لكل مؤنة لهم، والرضا منهم بالعفو، وقلة الرضا من نفسك بالمجهود.

فإن كنت حافظا إذا ولّوك، حذرا إذا قرّبوك، أمينا إذا ائتمنوك، ذليلا إذا صرموك، راضيا إذا أسخطوك، تعلّمهم وكأنّك تتعلّم منهم، وتؤدّبهم وكأنك تتأدّب منهم، وتشكرهم ولا تحمّلهم الشكر، وإلّا فالبعد منهم كلّ البعد.

ومن الآداب العرفية فى صحبة الملوك وخدمتهم، ألّا يسلّم على قادم بين أيديهم، وإنما استسنّ ذلك زياد بن أبيه، وذلك أن عبد الله بن عبّاس قدم على


[١] كذا فى الأدب الكبير، وفى الأصل: «وعلم» بدل «وعلى ... » وهو تحريف.
[٢] زيادة عن الأدب الكبير.
[٣] كذا فى الأدب الكبير، وفى الأصل: «والتثبت بحجتهم» .
[٤] الجملة من «وقلة الامتعاض ... اذا أحسنوا» منقولة عن الأدب الكبير، وهى فى الأصل: «وقلة الانتحال لما فعلوا إذا أساءوا» ففيه تحريف شوّه المعنى وأضاعه.