للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: «من رأى من أميره ما يكرهه فليصبر فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ميتة جاهليّة [١] »

رواه البخارىّ. فقد تبيّن لك من سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوب تعظيم السلطان وتوقيره.

وقال بزرجمهر: من جالس الملوك بغير أدب فقد خاطر بنفسه. وقال ابن المقفّع: من خدم السلطان فعليه بالملازمة من غير معاتبة. وقال: إن سأل السلطان غيرك فلا تكن المجيب عنه، فإن استلابك الكلام خفّة منك واستخفاف بالسائل والمسئول؛ وما أنت قائل إن قال لك: ما إيّاك سألت! أو قال لك المسئول عند المسئلة [يعاد له بها [٢]] : يا هذا، دونك فأجب؟ وإذا لم يقصد الملك بمسئلته رجلا بعينه وعمّ بها جميع من عنده فلا تبادرنّ بالجواب، ولا تسابق الجلساء ولا تواثب بالكلام مواثبة، فإنك إن سبقت القوم الى الجواب صاروا لكلامك خصوما فتعقّبوه بالعيب له والطعن فيه، وإذا أنت لم تعجل بالجواب وخلّيته للقوم عرضت قولهم على عينك، ثم تدبّرته وفكّرت فيه وفيما عندك، ثم هيّأت من تفكيرك ومما سمعت جوابا مرضيا، ثم استدبرت به أقاويلهم حتى [٣] تصغى إليك الأسماع، ويهدأ عنك الخصوم.

فإن لم يبلغك الكلام واكتفى بغيرك وانقطع الحديث فلا يكوننّ من الغبن عند نفسك فوت ما فاتك من الجواب، فإن صيانة القول خير من سوء موضعه. وقال: إذا كلّمك السلطان فاستمع لكلامه واصغ إليه، ولا تشغل طرفك بنظر، ولا أطرافك بعمل،


[١] نص ما فى البخارى: «من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه فانه من فارق الجماعة شبرا فمات إلا مات ميتة جاهلية» .
[٢] الزيادة عن الأدب الكبير، والمراد من الجملة: ماذا أنت قائل اذا أعاد السائل السؤال على المسئول الأول دون التفات الى جوابك.
[٣] فى الأدب الكبير «حين» بدل «حتى» .