للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكتب سابور بن أردشير فى عهده إلى ولده: ليكن وزيرك مقبول القول عندك، قوىّ المنزلة لديك، يمنعه مكانه منك وما يثق به من لطافة منزلته، من الخشوع لأحد أو الضراعة أو المداهنة لأحد فى شىء مما تحت يده، لتبعثه الثّقة بك على محض النصيحة لك، والمنابذة لمن أراد غشّك وانتقاصك حقّك. وإن أورد عليك رأيا يخالفك ولا يوافق الصواب عندك، فلا تجبهه جبه الظّنين، ولا تردّه عليه بالتّجهّم فيفتّ ذلك فى عضده، ويقبضه عن إبثاثك كلّ رأى يلوح صوابه، بل اقبل ما ارتضيت من قوله، وعرّفه ما تخوّفت من ضرر الرأى الذى انصرفت عنه، لينتفع بأدبك فيما يستقبل الرأى فيه. واحذر كلّ الحذر أن تنزل هذه المنزلة سواه ممن يطيف بك من خدمك وخاصّتك، وأن تسهّل لأحد منهم سبيل الانبساط بالنطق عندك والإفاضة فى أمور ولايتك ورعيّتك، فإنه لا يوثق بصحّة رأيهم، ولا يؤمن الانتشار فيما أفضى من السرّ إليهم.

وقال ابن المقفّع: عوّد نفسك الصبر على من خالفك من ذوى [١] النصيحة، والتجرّع لمرارة قولهم وعذلهم، ولا تسهّلن سبيل ذلك إلا لأهل الفضل والعقل [والسّن [٢]] والمروءة فى ستر، لئلا ينتشر من ذلك ما يجترئ به سفيه أو يستخفّ به شانئ. واعلم أن رأيك لا يتّسع لكل شىء ففرّغه لمهمّ ما يعنيك، وأن مالك لا يتّسع للناس فاخصص به أهل الحق [٣] ، وأن كرامتك لا تطيق العامّة فتوخّ بها أهل الفضل، وأن ليلك ونهارك لا يستوعبان حاجاتك وإن دأبت فيهما، فأحسن قسمتهما [٤] بين عملك ودعتك.

واعلم أن ما شغلت [٥] من رأيك بغير المهمّ أزرى بك، وما صرفت من مالك فى الباطل


[١] كذا فى الأدب الكبير، وفى الأصل: «من رأى ذوى النصيحة» وظاهر أن كلمة «رأى» مقحمة لغير فائدة.
[٢] الزيادة عن الأدب الكبير ورسائل البلغاء.
[٣] فى رسائل البلغاء:
«وأن مالك لا يغنى الناس كلهم فاختصّ به ذوى الحقوق» .
[٤] كذا فى الأدب الكبير، وفى الأصل «فأحسن قسمتك ... » .
[٥] فى الأصل: «ما شغلت به الخ» وظاهر أن كلمة «به» مقحمة.