للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم يستقم أمره إلا قليلا. فإن شكوا ثقلا أو علّة أو انقطاع شرب [أو بالّة [١]] أو إحالة أرض اغتمرها غرق أو أجحف بها عطش، خفّفت عنهم بما ترجو أن يصلح به أمرهم؛ ولا يثقلنّ عليك شىء خفّفت به المؤنة عنهم، فإنه ذخر يعودون به عليك فى عمارة بلادك وتزيين ولايتك، مع استجلابك حسن ثنائهم وتبجّحك [٢] باستفاضة العدل فيهم، معتمدا فضل قوّتهم بما ذخرت عندهم من إجمامك [٣] لهم والثّقة منهم بما عوّدتهم من عدلك عليهم ورفقك بهم. فربما حدث من الأمور ما إذا عوّلت [فيه] عليهم من بعد، احتملوه طيّبة أنفسهم به، فإن العمران يحتمل ما حمّلته، وإنما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها، وإنما يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع وسوء ظنّهم بالبقاء وقلّة انتفاعهم بالعبر. واستعمل من يحبّ أن يدّخر حسن الثناء من الرعيّة والمثوبة من الله عزّ وجلّ والرضا من الإمام.

ثم انظر فى حال الكتّاب فولّ أمورك خيرهم. واخصص رسائلك التى تدخل فيها مكايدك وأسرارك بأجمعهم لوجود [٤] صالح الأخلاق ممن لا تبطره الكرامة فيجترئ بها عليك فى خلاف لك بحضرة ملأ، ولا تقصّر [٥] به الغفلة عن إيراد مكاتبات عمّالك [عليك] وإصدار جوابها على الصواب منها عنك، وفيما يأخذ لك ويعطى منك، ولا يضعف عقدا اعتقده لك، ولا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك، ولا يجهل مبلغ قدر نفسه [٦] فى الأمور، فإن الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل. ثم لا يكن


[١] أى شكوا ثقل المضروب عليهم من مال الخراج، أو نزول علة سماوية، أو انقطاع شرب (الشرب بالكسر: الماء) فيما يسقى بالأنهار، أو بالّة وهو ما يبل الأرض من مطروندى فيما يسقى بالمطر، وإحالة الأرض: تحولها وتغيرها.
[٢] التبجح: الفرح والسرور.
[٣] إجمامك لهم: تركك إياهم حتى اذا ما استراحوا تقوّوا على معونتك.
[٤] كذا فى الأصل ولعله محرف عن «وجوه» .
[٥] كذا فى نهج البلاغة وفى الأصل: «ولا تقصر بك ... » .
[٦] فى الأصل: «قدر نفسك ... » وكذلك فعلا يعجز ويجهل بتاء الخطاب، والسياق يقتضى ما وضعناه عن نهج البلاغة.