للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اختيارك إيّاهم على فراستك واستنامتك وحسن الظّن منك، فإن الرجال يتعرّفون [١] لفراسات الولاة بتصنّعهم وحسن خدمتهم؛ وليس وراء ذلك من النصيحة والأمانة شىء؛ ولكن اختبرهم بما ولوا للصالحين [٢] قبلك، فآعمد لأحسنهم كان فى العامّة أثرا، وأعرفهم بالأمانة وجها، فإن ذلك دليل على نصيحتك لله ولمن وليت أمره.

واجعل لرأس كل أمر من أمورك رأسا منهم لا يقهره كبيرها ولا يتشتّت عليه كثيرها.

ومهما كان فى كتّابك من عيب فتغابيت عنه ألزمته.

ثم استوص بالتجّار وذوى الصناعات، وأوص بهم خيرا المقيم [منهم و] المضطرب بماله والمترفّق ببدنه، فإنهم موادّ المنافع وأسباب المرافق وجلّابها من المباعد والمطارح فى برّك وبحرك وسهلك وجبلك وحيث لا يلتئم الناس لمواضعها ولا يجترئون عليها، فإنّهم سلم لا تخاف بائقته، وصلح لا تخشى غائلته. وتفقّد أمورهم بحضرتك وفى حواشى بلادك. واعلم أن [فى] كثير منهم ضيقا فاحشا وشحّا قبيحا واحتكارا للمنافع فى المبايعات، وذلك باب مضرّة للعامّة، وعيب على الولاة. فامنع [من] الاحتكار، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع منه. وليكن البيع بيعا سمحا بموازين عدل وأسعار لا تجحف بالفريقين البائع والمبتاع، فمن قارف حكرة بعد نهيك إيّاه فنكّل به وعاقبه من غير إسراف.

ثم الله الله فى الطبقة السّفلى من الذين لا حيلة لهم والمساكين والمحتاجين و [أهل] البؤسى والزّمنى، فإن [فى] هذه الطبقة قانعا ومعترّا، فاحفظ لله ما استحفظك من حقّه فيهم، واجعل لهم قسما من بيت مالك، وقسما من غلّات صوافى [٣] الإسلام فى كل بلد، فإن للأقصى منهم مثل الذى للأدنى. وكلّ قد استرعيت حقّه فلا يشغلنّك


[١] قال الأستاذ الإمام: أى يتوسلون إليها لتعرفهم.
[٢] كذا فى نهج البلاغة وفى الأصل:
«ولكن اختبرهم بهؤلاء الصالحين» .
[٣] صوافى جمع صافية: أرض الغنيمة.