للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإياك والعجلة بالأمور قبل أوانها، أو التسقّط [١] فيها عند إمكانها، أو اللّجاجة فيها إذا تنكّرت، أو الوهن عنها إذا استوضحت؛ فضع كلّ أمر موضعه وأوقع كلّ عمل موقعه.

وإياك والاستئثار بما الناس فيه أسوة [٢] ، والتغابى عما يعنى به مما قد وضح لعيون الناظرين، فإنه مأخوذ منك لغيرك، وعما قليل تنكشف عنك أغطية الأمور وينتصف منك للمظلوم.

املك حميّة أنفك وسورة حدّك وسطوة يدك وغرب لسانك، واحترس من كلّ ذلك بكفّ البادرة وتأخير السطوة حتى يسكن غضبك فتملك الاختيار، ولن تحكم ذلك من نفسك [٣] حتى تكثر همومك بذكر المعاد إلى ربك.

والواجب عليك أن تتذكّر ما مضى لمن تقدّمك من حكومة عادلة، أو سنّة فاضلة، أو أثر عن نبيّنا صلى الله عليه وسلم، أو فريضة فى كتاب الله، فتقتدى بما شاهدت مما عملنا به فيها، وتجتهد لنفسك فى اتّباع ما عهدت إليك فى عهدى هذا، واستوثقت به من الحجّة لنفسى عليك لكيلا تكون لك علّة عند تسرّع نفسك إلى هواها.

وأنا أسأل الله بسعة رحمته وعظيم قدرته على إعطاء كلّ ذى رغبة: أن يوفّقنى [٤] وإياك لما فيه رضاه من الإقامة على العذر الواضح إليه وإلى خلقه، مع حسن الثناء فى العباد وجميل الأثر فى البلاد وتمام النعمة وتضعيف الكرامة، وأن يختم لى ولك بالسعادة والشهادة. إنّا لله وإنّا إليه راجعون. تمّ العهد بعون الله تعالى.

وقيل: ينبغى للملك أن يسوق العنف باللطف، والتوفير بالتوقير، ولا يتخذ أعوانا إلا أعيانا، ولا أخلّاء إلا أجلّاء، ولا ندماء إلا كرماء، ولا جلساء إلا ظرفاء.


[١] كذا فى نهج البلاغة. وفى الأصل: «التثبت» والمراد بالتسقّط: التهاون.
[٢] أسوة بمعنى سواء، قال فى اللسان: القوم أسوة فى هذا الأمر أى حالهم فيه واحدة.
[٣] كذا فى نهج البلاغة، وفى الأصل «وأن تحكم بذلك فى نفسك» .
[٤] أن يوفقنى، مفعول «أسأل» وفى الأصل: «وتوفيقى ... » وما هنا نقلناه عن نهج البلاغة.