للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما ما قيل فى الحزم والعزم وانتهاز الفرصة؛ قالت الحكماء: أحزم الملوك من قهر جدّه هزله، وغلب رأيه هواه، وأعرب عن ضميره فعله، ولم يختدعه رضاه عن سخطه، ولا غضبه عن كيده. وقيل لبعضهم: ما الحزم؟ فقال: التفكّر فى العواقب.

وقال عبد الملك بن مروان لابنه الوليد: يا بنىّ، اعلم أنه ليس بين السلطان وبين أن يملك الرعيّة أو تملكه الرعيّة إلّا حزم أو توان. وقالوا: ينبغى للعاقل ألّا يستصغر شيئا من الخطأ والزّلل، فإنّ من استصغر الصغير يوشك أن يقع فى الكبير، فقد رأينا الملك يؤتى من العدوّ المحتقر، ورأينا الصّحّة تؤتى من الداء اليسير، ورأينا الأنهار تنبثق من الجداول الصغار. وقال مسلمة بن عبد الملك: ما أخذت أمرا قطّ بحزم فلمت نفسى فيه وإن كانت العاقبة علىّ، ولا أخذت أمرا قطّ وضعيّت الحزم فيه فحمدت نفسى وإن كانت العاقبة لى. وقال عبد الملك لعمر بن عبد العزيز:

ما العزيمة فى الأمر؟ فقال: إصداره إذا أورد بالحزم؛ قال: وهل بينهما فرق؟

قال: نعم، أما سمعت قول الشاعر:

ليست تكون عزيمة ما لم يكن ... معها من الحزم المشيّد رافد

وقيل لملك سلب ملكه: ما الذى سلبك ملكك؟ فقال: [دفع شغل [١]] اليوم إلى غد، والتماس عدّة بتضييع عدد، واستكفاء كلّ مخدوع عن [٢] عقله. والمخدوع [عن عقله [١]] : من بلغ قدرا لا يستحقّه أو أثيب ثوابا لا يستوجبه. وفى كتب للهند:

الحازم يحذر عدوّه على كل حال، يحذر المواثبة إن قرب، والمغارة [٣] إن بعد، والكمين


[١] زيادة من العقد الفريد (ج ١ ص ١٨) .
[٢] فى الأصل: «من عقله» .
[٣] كذ فى الأصل، ولعله «المغاورة» بمعنى الإعارة.